فصل: فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ:

الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ):
قَدَّمَ بَيَانَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَاتِ الْمَسْرُوقِ وَهُوَ مَا يُقْطَعُ فِيهِ وَمَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ فِي ذَاتِهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِحِرْزِهِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْهُ، ثُمَّ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْحِرْزِ شَرْطٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّ مَنْ جَمَعَ الْمَالَ فِي الْحِرْزِ قُطِعَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ.
وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ قول الْجَمَاعَةِ.
وَعَنْ دَاوُد لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ أَصْلًا.
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَمَّنْ نُقِلَتْ عَنْهُ، وَلَا مَقَالَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنْ لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَلَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ فَتَخَصَّصَتْ الْآيَةُ بِهِ فَجَازَ تَخْصِيصُهَا بَعْدَهُ بِمَا هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِجْمَاعِيَّةِ وَمَا بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَسَيَأْتِي مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ الْحِرْزُ مَا عُدَّ عُرْفًا حِرْزًا لِلْأَشْيَاءِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ ثَبَتَ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى بَيَانِهِ، فَيُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ رُدَّ إلَى عُرْفِ النَّاسِ فِيهِ وَالْعُرْفُ يَتَفَاوَتُ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ اخْتِلَافٌ لِذَلِكَ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحَرَّزُ فِيهِ الشَّيْءُ، وَكَذَا هُوَ فِي الشَّرْعِ إلَّا أَنَّهُ بِقَيْدِ الْمَالِيَّةِ: أَيْ الْمَكَانُ الَّذِي يُحَرَّزُ فِيهِ الْمَالُ كَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَالْخَيْمَةِ وَالشَّخْصِ نَفْسِهِ، وَالْمُحَرَّزُ مَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا.

متن الهداية:
(وَمَنْ سَرَقَ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ) فَالْأَوَّلُ وَهُوَ الْوِلَادُ لِلْبُسُوطَةِ فِي الْمَالِ وَفِي الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ.
وَالثَّانِي لِلْمَعْنَى الثَّانِي، وَلِهَذَا أَبَاحَ الشَّرْعُ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْهَا، بِخِلَافِ الصَّدِيقَيْنِ لِأَنَّهُ عَادَاهُ بِالسَّرِقَةِ.
وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ أَلْحَقَهَا بِالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ (وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مَتَاعَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ، وَلَوْ سَرَقَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ يُقْطَعُ) اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قُطِعَ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ، بِخِلَافِ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ لِانْعِدَامِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهَا عَادَةً.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا قَرَابَةَ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِهَا لَا تُحْتَرَمُ كَمَا إذَا ثَبَتَتْ بِالزِّنَا وَالتَّقْبِيلِ عَنْ شَهْوَةٍ، وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّضَاعَ قَلَّمَا يَشْتَهِرُ فَلَا بُسُوطَةَ تَحَرُّزًا عَنْ مَوْقِفِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ النَّسَبِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ أَبَوَيْهِ) وَإِنْ عَلَيَا (أَوْ وَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ (أَوْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ (لَا يُقْطَعُ) وَقَالَ مَالِكٌ وَشُذُوذٌ: يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهِمَا، وَلِذَا يُحَدُّ بِالزِّنَا بِجَارِيَتِهِمَا وَيُقْتَلُ بِقَتْلِهِمَا وَبِهِ يَبْطُلُ قولهُ فِي الْكَافِي، أَمَّا فِي الْوِلَادِ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يُقْطَعُ الْأَبُ أَيْضًا فِي سَرِقَةِ مَالِ ابْنِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ الْوِلَادِ.
أَمَّا وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَيْ عَدَمُ الْقَطْعِ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَلِأَنَّهَا عَادَةً تَكُونُ مَعَهَا الْبُسُوطَةُ فِي الْمَالِ وَالْإِذْنُ فِي الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ حَتَّى يُعَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْآخَرِ وَلِذَا مُنِعَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ شَرْعًا، وَيَخُصُّ سَرِقَةَ الْأَبِ مِنْ مَالِ الِابْنِ قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَأَمَّا غَيْرُ الْوِلَادِ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقولهِ (وَالثَّانِي لِلْمَعْنَى الثَّانِي) أَيْ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ فَأَلْحَقَهُمْ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَنَحْنُ أَلْحَقْنَاهُ بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَقَدْ رَأَيْنَا الشَّرْعَ أَلْحَقَهُمْ بِهِمْ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ وَافْتِرَاضِ الْوَصْلِ، فَلِذَا أَلْحَقْنَاهُمْ بِهِمْ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَلِأَنَّ الْإِذْنَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ ثَابِتٌ عَادَةً لِلزِّيَارَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَلِذَا حَلَّ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ كَالْعَضُدِ لِلدُّمْلُوجِ وَالصَّدْرِ لِلْقِلَادَةِ وَالسَّاقِ لِلْخَلْخَالِ.
وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلُزُومِ الْحَرَجِ لَوْ وَجَبَ سَتْرُهَا عَنْهُ مَعَ كَثْرَةِ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَهِيَ مُزَاوِلَةُ الْأَعْمَالِ وَعَدَمِ احْتِشَامِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ.
وَأَيْضًا فَهَذِهِ الرَّحِمُ الْمُحَرَّمَةُ يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا، وَبِالْقَطْعِ يَحْصُلُ الْقَطْعُ فَوَجَبَ صَوْنُهَا بِدَرْئِهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانِ الْحِرْزِ فِيهَا قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} وَرَفْعُ الْجُنَاحِ عَنْ الْأَكْلِ مِنْ بُيُوتِ الْأَعْمَامِ أَوْ الْعَمَّاتِ مُطْلَقًا يُؤْنِسُ إطْلَاقَ الدُّخُولِ.
وَلَوْ سُلِّمَ فَإِطْلَاقُ الْأَكْلِ مُطْلَقًا يَمْنَعُ قَطْعَ الْقَرِيبِ، ثُمَّ هُوَ إنْ تُرِكَ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْمَنْعِ بَقِيَتْ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك».
فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ قَال: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} كَمَا قَال: {أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ} وَالْحَالُ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ صَدِيقِهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ سَرِقَةَ مَالِهِ فَقَدْ عَادَاهُ فَلَمْ يُقْطَعْ الْآخِذُ إلَّا فِي حَالِ الْعَدَاوَةِ (وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَتَاعَ غَيْرِهِ لَا يُقْطَعُ، وَلَوْ سَرَقَ مَالَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ) فَسَرِقَةُ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ سَرِقَةٌ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَسَرِقَةُ مَالِ ذِي الرَّحِمِ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ سَرِقَةٌ مِنْ حِرْزٍ فَيُقْطَعُ، وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ فِي الْقَطْعِ الْقَطِيعَةَ فَيَنْدَرِئُ وَهُوَ الْمَوْعُودُ، وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يُعَرِّجْ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ.
قولهُ: (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ قُطِعَ) وَهُوَ قول أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ بِخِلَافِ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ لِانْعِدَامِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهَا عَادَةً) وَلِذَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهَا اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْأَبُ مِنْ الرَّضَاعَةِ.
(وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِ الْقَرَابَةِ لَا تُحْتَرَمُ كَمَا إذَا ثَبَتَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ بِالزِّنَا) بِأَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَيُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُمَا (وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْأُخْتُ مِنْ الرَّضَاعَةِ) فَإِنَّ فِيهَا مَحْرَمِيَّةً بِلَا قَرَابَةٍ مَعَ اتِّحَادِ سَبَبِ الْمَحْرَمِيَّةِ فِيهِمَا، فَالْإِلْحَاقُ بِهَا فِي إثْبَاتِ الْقَطْعِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْإِلْحَاقِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِالْوَطْءِ، ثُمَّ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِإِبْطَالِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِأَبِي يُوسُفَ صَرِيحًا وَهُوَ قولهُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا إلَخْ بِقولهِ (وَهَذَا لِأَنَّ الرَّضَاعَ قَلَّمَا يَشْتَهِرُ فَلَا بُسُوطُةَ تَحَرُّزًا عَنْ مَوْقِفِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ النَّسَبِ) فَإِنَّهُ يَشْتَهِرُ بِلَا تَحَشُّمٍ وَلَا تُهْمَةٍ، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ مَنْعَ قولهِ إنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ إلَخْ، فَقَالَ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ إلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا تُهْمَةً لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهَا لِعَدَمِ الشُّهْرَةِ فَيُتَّهَمُ فَلَا يَدْخُلُ بِلَا اسْتِئْذَانٍ، بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَشْتَهِرُ فَلَا يُنْكَرُ دُخُولُهُ، فَلِذَا قُطِعَ فِي سَرِقَةِ مَالِ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَمْ يُقْطَعْ فِي سَرِقَةِ مَالِ أُمِّهِ مِنْ النَّسَبِ.

متن الهداية:
(وَإِذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً، وَإِنْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ حِرْزٍ الْآخَرِ خَاصَّةً لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِبُسُوطَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْوَالِ عَادَةً وَدَلَالَةً وَهُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ أَوْ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ لِوُجُودِ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ عَادَةً) فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ (وَإِنْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ حِرْزِ الْآخَرِ خَاصَّةً لَا يَسْكُنَانِ فِيهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ.
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَفِي قول آخَرَ كَقولنَا، وَفِي قول ثَالِثٍ يُقْطَعُ الرَّجُلُ خَاصَّةً لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ حَقًّا فِي مَالِهِ: أَيْ النَّفَقَةَ.
وَجْهُ قولنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا بُسُوطَةً فِي الْأَمْوَالِ عَادَةً وَدَلَالَةً فَإِنَّهَا لَمَّا بَذَلَتْ نَفْسَهَا وَهِيَ أَنْفَسُ مِنْ الْمَالِ كَانَتْ بِالْمَالِ أَسْمَحُ، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا سَبَبًا يُوجِبُ التَّوَارُثَ مِنْ غَيْرِ حَجْبِ حِرْمَانٍ كَالْوَالِدَيْنِ.
وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَةِ سَيِّدِهِ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ، فَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ خَادِمُ الزَّوْجِ فَالزَّوْجُ أَوْلَى.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (هُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ) يَعْنِي عِنْدَنَا لَا يُقْطَعُ أَحَدُهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لِاتِّصَالِ الْمَنَافِعِ، وَعِنْدَهُ يُقْطَعُ كَمَا تُقْبَلُ فِي أَحَدِ قوليْهِ.
فَإِنْ قُلْت: أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رُبَّمَا لَا يَبْسُطُ لِلْآخَرِ فِي مَالِهِ بَلْ يَحْبِسُهُ عَنْهُ وَيُحَرِّزُهُ.
قُلْنَا: وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالِابْنُ قَدْ يَتَّفِقُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَلَا قَطْعَ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْأَصْهَارِ وَالْأَخْتَانِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ، وَقَالَا: يُقْطَعُ.
وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجَةِ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ زَوْجِ ابْنَتِهِ أَوْ بِنْتِ زَوْجِ أُمِّهِ إنْ كَانَ يَجْمَعُهُمَا مَنْزِلٌ وَاحِدٌ لَمْ يُقْطَعْ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ فِي مَنْزِلٍ عَلَى حِدَةٍ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ.
وَلَوْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَبَانَتْ مِنْ غَيْرِ عِدَّةٍ فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّزَوُّجُ بَعْدَ أَنْ قُضِيَ بِالْقَطْعِ أَوْ لَمْ يُقْضَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ يُقْطَعُ.
وَلَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمَبْتُوتَةِ أَوْ الْمُخْتَلِعَةِ فِي الْعِدَّةِ لَا قَطْعَ، وَكَذَا إذَا سَرَقَتْ هِيَ مِنْ الزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ يَجِبُ الْقَطْعُ.

متن الهداية:
(وَلَوْ سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ لَهُ فِي أَكْسَابِهِ حَقًّا (وَكَذَلِكَ السَّارِقُ مِنْ الْمَغْنَمِ) لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَرْءًا وَتَعْلِيلًا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ سَرَقَ الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبِهِ لَا يُقْطَعُ) بِلَا خِلَافٍ (لِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقًّا فِي أَكْسَابِهِ) وَلِأَنَّ مَالَهُ مَوْقُوفٌ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ كَانَ لِلْمَوْلَى أَوْ عَتَقَ كَانَ لَهُ، فَلَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ مَالٍ مَوْقُوفٍ دَائِرٍ بَيْنَ السَّارِقِ وَغَيْرِهِ، كَمَا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ، وَكَمَا لَا قَطْعَ عَلَى السَّيِّدِ كَذَلِكَ لَا قَطْعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ إذَا سَرَقَ مَالَ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ أَوْ مِنْ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ وَهُوَ قول أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ مَنْ عَدَا سَيِّدَهُ كَزَوْجَةِ سَيِّدِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَتَقَدَّمَ أَثَرُ عُمَرَ وَهُوَ فِي السَّرِقَةِ مِنْ مَالِ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ، وَكَانَ ثَمَنُ الْمِرْآةِ سِتِّينَ دِرْهَمًا، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ خِلَافَهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ فَتُخَصُّ بِهِ الْآيَةُ، وَالْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ كَذَلِكَ.
قولهُ: (وَكَذَلِكَ السَّارِقُ مِنْ الْمَغْنَمِ) لَا يُقْطَعُ (لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ دَرْءًا وَتَعْلِيلًا) رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْأَبْرَصِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ: أُتِيَ عَلِيٌّ بِرَجُلٍ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ فَقَالَ: لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ وَهُوَ خَائِنٌ فَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَكَانَ قَدْ سَرَقَ مِغْفَرًا.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
قِيلَ: وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ، فَرُفِعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ وَقَالَ: مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَكَلَامُنَا فِيمَا سَرَقَهُ بَعْضُ مُسْتَحَقِّي الْغَنِيمَةِ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

متن الهداية:
وَقَالَ: (وَالْحِرْزُ عَلَى نَوْعَيْنِ حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْبُيُوتِ وَالدُّورِ. وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: الْحِرْزُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ الِاسْتِسْرَارَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، ثُمَّ هُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْمَكَانِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِإِحْرَازِ الْأَمْتِعَةِ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالصُّنْدُوقِ وَالْحَانُوتِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَافِظِ كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِهِ، وَقَدْ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ» (وَفِي الْمُحَرَّزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِدُونِهِ وَهُوَ الْبَيْتُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ أَوْ كَانَ وَهُوَ مَفْتُوحٌ حَتَّى يُقْطَعَ السَّارِقُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِقَصْدِ الْإِحْرَازِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ لِقِيَامِ يَدِهِ فِيهِ قَبْلَهُ.
بِخِلَافِ الْمُحَرَّزِ بِالْحَافِظِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ، كَمَا أُخِذَ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ فَتَتِمُّ السَّرِقَةُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ أَوْ عِنْدَهُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ.
وَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَضْيِيعٍ، بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتَاوَى.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (الْحِرْزُ لَا بُدَّ مِنْهُ) لِوُجُوبِ الْقَطْعِ (لِأَنَّ الِاسْتِسْرَارَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَافِظٌ مِنْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِ أَوْ إنْسَانٍ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ يَكُونُ الْمَالُ سَائِبًا فَلَا يَتَحَقَّقُ إخْفَاءُ الْأَخْذِ وَالدُّخُولُ فَلَا تَتَحَقَّقُ السَّرِقَةُ.
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} بِنَفْسِهِ يُوجِبُ الْحِرْزَ إذْ لَا تُتَصَوَّرُ السَّرِقَةُ دُونَ الْإِخْفَاءِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِخْفَاءُ دُونَ الْحَافِظِ، فَيُخْفِي الْأَخْذَ مِنْهُ أَوْ الْبِنَاءُ فَيُخْفِي دُخُولَهُ بَيْتَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ.
وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِهِ كَقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ، وَلَا فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ، فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ أَوْ الْجَرِينُ فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» وَنَحْوُهُ وَارِدٌ عَلَى وَفْقِ الْكِتَابِ لَا مُبَيِّنٌ مُخَصِّصٌ (ثُمَّ هُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: حِرْزٌ) بِالْمَكَانِ (كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ) وَالْجُدَرَانِ وَالْحَوَانِيتِ لِلتُّجَّارِ وَلَيْسَتْ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِ بِلَادِ مِصْرَ الدَّكَاكِينَ وَالصَّنَادِيقَ وَالْخِيَامَ وَالْخَرْكَاهَ وَجَمِيعَ مَا أُعِدَّ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَافِظِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الْأَمَاكِنِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ.
وَذَلِكَ (كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ) أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ (أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِهِ. وَقَدْ «قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ») عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَالْحَاكِمُ، وَحَكَمَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَأَلْفَاظٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا انْقِطَاعٌ وَفِي بَعْضِهَا مَنْ هُوَ مُضَعَّفٌ، وَلَكِنْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَاتَّسَعَ مَجِيئُهُ اتِّسَاعًا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ بِلَا شُبْهَةٍ.
وَفِي طَرِيقِ السُّنَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِيه: «أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى ثُمَّ لَفَّ رِدَاءً لَهُ مِنْ بُرْدٍ فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَنَامَ. فَأَتَاهُ لِصٌّ فَاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ. فَأَخَذَهُ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا سَرَقَ رِدَائِي. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسَرَقْت رِدَاءَ هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبَا بِهِ فَاقْطَعَا يَدَهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: مَا كُنْت أُرِيدُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فِي رِدَائِي، قَالَ: فَلَوْلَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» زَادَ النَّسَائِيّ «فَقَطَعَهُ» وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ: سَمَّاهُ خَمِيصَةً ثَمَنَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا.
قولهُ: (وَفِي الْمُحَرَّزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا فِي الْعُيُونِ أَنَّ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ الْحَمَّامِ فِي وَقْتِ الْإِذْنِ: أَيْ فِي وَقْتِ دُخُولِهَا إذَا كَانَ ثَمَّةَ حَافِظٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ. وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَفِي الْكَافِي: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ.
وَجْهُ الصَّحِيحِ (أَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِدُونِ الْحَافِظِ) لِأَنَّ الْمَكَانَ فِي نَفْسِهِ صَالِحٌ لِلْإِحْرَازِ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ وُصُولِ يَدِ غَيْرِ صَاحِبِهِ إلَى مَا فِيهِ، وَيَكُونُ الْمَالُ مَعَ ذَلِكَ مُخْتَفِيًا، وَلَيْسَ هَذَا مَعَ الْحَافِظِ فَهُوَ فَرْعٌ، وَلَا اعْتِبَارَ لِلْفَرْعِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مَعَهُ، فَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي وَقْتِ الْإِذْنِ فِي دُخُولِهَا وَسَرَقَ مِنْهَا مَا عِنْدَهُ حَافِظٌ لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّ الْحَمَّامَ فِي نَفْسِهِ صَالِحٌ لِصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَّ الْحِرْزُ لِلْإِذْنِ فِي دُخُولِهَا وَلِذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ مَا وُضِعَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِمَالٍ عِنْدَهُ مَنْ يَحْفَظُهُ فِيهِ، وَقَدْ قُطِعَ سَارِقُ رِدَاءِ صَفْوَانَ وَكَانَ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ.
وَلِكَوْنِ الْمَكَانِ هُوَ الْحِرْزَ الَّذِي يُقْتَصَرُ النَّظَرُ عَلَيْهِ قُلْنَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ أَوْ لَهُ بَابٌ وَلَكِنَّهُ مَفْتُوحٌ لِأَنَّ الْبِنَاءَ لِلْإِحْرَازِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ لِقِيَامِ يَدِ الْمَالِكِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ) مِنْ دَارِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ إلَّا بِإِزَالَةِ يَدِهِ وَذَلِكَ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ حِرْزِهِ (بِخِلَافِ الْمُحَرَّزِ بِالْحَافِظِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا أَخَذَهُ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ فَتَتِمُّ السَّرِقَةُ) فَيَجِبُ مُوجِبُهَا (وَلَا فَرْقَ) فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ (بَيْنَ كَوْنِ الْحَافِظِ) فِي الطَّرِيقِ وَالصَّحْرَاءِ وَالْمَسْجِدِ (مُسْتَيْقِظًا أَوْ نَائِمًا وَالْمَتَاعُ تَحْتَهُ) أَوْ تَحْتَ رَأْسِهِ (أَوْ عِنْدَهُ) وَهُوَ بِحَيْثُ يَرَاهُ (لِأَنَّهُ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ) وَبِحَضْرَتِهِ كَيْفَمَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ لَا (حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ) وَقولهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قول بَعْضِهِمْ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَتَاعِ تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ تَحْتَ جَنْبِهِ.
وَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرْنَا (وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَعِيرُ) إذَا حَفِظَ الْوَدِيعَةَ وَالْعَارِيَّةَ كَذَلِكَ فَسُرِقَتْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِفْظًا لَضَمِنَا (بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتَاوَى) فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِيهَا الضَّمَانَ عَلَى الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا، ثُمَّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ يَكُونُ حِرْزًا لِجَمِيعِ الْأَنْوَاعِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، حَتَّى لَوْ سَرَقَ لُؤْلُؤَةً مِنْ إصْطَبْلٍ أَوْ حَظِيرَةِ غَنَمٍ يُقْطَعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ الْغَنَمَ مِنْ الْمَرْعَى فَقَدْ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ عَدَمَ الْقَطْعِ فِيهِ وَفِي الْفَرَسِ وَالْبَقَرِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا، فَإِنْ كَانَ قُطِعَ إذَا لَمْ يَكُنْ رَاعِيًا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَحْفَظُهَا الرَّاعِي فَفِي الْبَقَّالِيِّ لَا يُقْطَعُ، وَهَكَذَا فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَطْلَقَ خُوَاهَرْ زَادَهْ ثُبُوتَ الْقَطْعِ إذَا كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ.
وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الرَّاعِيَ لَمْ يَقْصِدْ لِحِفْظِهَا مِنْ السُّرَّاقِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
وَنَقَلَ الْإِسْبِيجَابِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُعْتَبَرُ بِحِرْزِ مِثْلِهِ فَلَا يُقْطَعُ بِاللُّؤْلُؤَةِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ وَالثِّيَابِ النَّفِيسَةِ مِنْهَا، وَهَذَا قول الشَّافِعِيِّ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُحَرَّزًا بِأَحَدِ الْحِرْزَيْنِ (وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالًا مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ عَادَةً أَوْ حَقِيقَةً فِي الدُّخُولِ فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ حَوَانِيتُ التُّجَّارِ وَالْخَانَاتُ، إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا الْإِذْنُ يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ) لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِالْحَافِظِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا بُنِيَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ مُحَرَّزًا بِالْمَكَانِ، بِخِلَافِ الْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ الَّذِي أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ بُنِيَ لِلْإِحْرَازِ فَكَانَ الْمَكَانُ حِرْزًا فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِحْرَازُ بِالْحَافِظِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ) كَالصَّحْرَاءِ (وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ قُطِعَ لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُحَرَّزًا بِأَحَدِ الْحِرْزَيْنِ) وَهَذَا بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهِ إذَا كَانَ وَقْتَ الْإِذْنِ، إلَّا أَنَّ قولهُ وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَخْتَصُّ بِمَا يَلِيهِ وَهُوَ قولهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يَرِدُ الْحَمَّامُ فَإِنَّهُ حِرْزٌ، عَلَى أَنَّ قولهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ تَقْيِيدٌ لَهُ، فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُقْطَعَ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ.
قولهُ: (وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ يَدْخُلُ فِي بَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ (الْخَانَاتُ وَالْحَوَانِيتُ) فَيَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ عَدَمِ الْقَطْعِ نَهَارًا فَإِنَّ التَّاجِرَ يَفْتَحُ حَانُوتَهُ نَهَارًا فِي السُّوقِ وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الدُّخُولِ لِيَشْتَرُوا مِنْهُ فَإِذَا سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْهُ شَيْئًا لَا يُقْطَعُ وَكَذَا الْخَانَاتُ (إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ) وَإِنَّمَا اخْتَلَّ الْحِرْزُ بِالنَّهَارِ لِلْإِذْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِاللَّيْلِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَتَاعًا وَصَاحِبُهُ عِنْدَهُ قُطِعَ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِالْحَافِظِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا بُنِيَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّزًا بِالْمَكَانِ) لِيَنْقَطِعَ اعْتِبَارُ الْحَافِظِ ثُمَّ تَخْتَلُّ حِرْزِيَّتُهُ بِالْإِذْنِ كَالْحَمَّامِ، فَكَانَ الْحَافِظُ مُعْتَبَرًا حِرْزًا فَيُقْطَعُ بِالْأَخْذِ، وَعَلَى هَذَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ: جَمَاعَةٌ نَزَلُوا بَيْتًا أَوْ خَانًا فَسَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَتَاعًا وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ يَحْفَظُهُ أَوْ تَحْتَ رَأْسِهِ لَا يُقْطَعُ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ قُطِعَ.

متن الهداية:
(وَلَا قَطْعَ عَلَى الضَّيْفِ إذَا سَرَقَ مِمَّنْ أَضَافَهُ) لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي دُخُولِهِ، وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الدَّارِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَا قَطْعَ عَلَى الضَّيْفِ إذَا سَرَقَ مِمَّنْ أَضَافَهُ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي دُخُولِهِ، وَلِأَنَّهُ) بِالْإِذْنِ صَارَ (بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الدَّارِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً لَا سَرِقَةً) وَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ الدَّارِ الَّتِي أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهَا وَهُوَ مُقْفَلٌ أَوْ مِنْ صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ، ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ، لِأَنَّ الدَّارَ مَعَ جَمِيعِ بُيُوتِهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ، وَلِهَذَا إذَا أَخْرَجَ اللِّصُّ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ الدَّارِ إلَى الدَّارِ لَا يُقْطَعُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ، وَإِذَا كَانَ وَاحِدًا فَبِالْإِذْنِ فِي الدَّارِ اخْتَلَّ الْحِرْزُ فِي الْبُيُوتِ، وَسَيَأْتِي مَا يُفِيدُ هَذَا.

متن الهداية:
(وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الدَّارِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا مَعْنًى فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْأَخْذِ) (فَإِنْ كَانَتْ دَارٌ فِيهَا مَقَاصِيرُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ الْمَقْصُورَةِ إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ) لِأَنَّ كُلَّ مَقْصُورَةٍ بِاعْتِبَارِ سَاكِنِهَا حِرْزٌ عَلَى حِدَةٍ (وَإِنْ أَغَارَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْمَقَاصِيرِ عَلَى مَقْصُورَةٍ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ) لِمَا بَيَّنَّا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الدَّارِ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ، وَلِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا مَعْنًى فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ عَدَمِ الْأَخْذِ) وَهَتْكِ الْحِرْزِ (فَإِذَا كَانَتْ فِيهَا مَقَاصِيرُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَقْصُورَةٍ إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ) هَذَا كَلَامُ مُحَمَّدٍ، وَأُوِّلَ بِمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً فِيهَا بُيُوتُ كُلِّ بَيْتٍ يَسْكُنُهُ أَهْلُ بَيْتٍ عَلَى حِدَتِهِمْ وَيَسْتَغْنُونَ بِهِ اسْتِغْنَاءَ أَهْلِ الْمَنَازِلِ بِمَنَازِلِهِمْ عَنْ صَحْنِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ انْتِفَاعَهُمْ بِالسِّكَّةِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَيْهَا كَالْإِخْرَاجِ إلَى السِّكَّةِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ كُلَّهَا فِي يَدِ وَاحِدٍ.
وَهُنَا كُلُّ بَيْتٍ حِرْزٌ عَلَى حِدَتِهِ لِاخْتِلَافِ السُّكَّانِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْقَوْمُ إذَا كَانُوا فِي دَارِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَقْصُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ عَلَيْهِ بَابٌ يُغْلَقُ فَنَقَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ عَلَى صَاحِبِهِ وَسَرَقَ مِنْهُ إنْ كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً يُقْطَعُ وَإِلَّا فَلَا.
ثُمَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَلِفَ الْمَسْرُوقُ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّارِ وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّلَفِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي بِخِلَافِ الْقَطْعِ لِأَنَّ شَرْطَهُ هَتْكُ الْحِرْزِ وَلَمْ يُوجَدْ.
قولهُ: (وَإِنْ أَغَارَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْمَقَاصِيرِ عَلَى مَقْصُورَةٍ فَسَرَقَ مِنْهَا قُطِعَ) يُرِيدُ دَخَلَ مَقْصُورَةً عَلَى غِرَّةٍ فَأَخَذَ بِسُرْعَةٍ، يُقَالُ أَغَارَ الْفَرَسُ وَالثَّعْلَبُ فِي الْعَدُوِّ: إذَا أَسْرَعَ. وَقولهُ فَسَرَقَ تَفْسِيرٌ لِقولهِ أَغَارَ.

متن الهداية:
(وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ فَدَخَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَنَاوَلَهُ آخَرَ خَارِجَ الْبَيْتِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِخْرَاجُ لِاعْتِرَاضِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَالِ قَبْلَ خُرُوجِهِ.
وَالثَّانِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هَتْكُ الْحِرْزِ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ أَخْرَجَ الدَّاخِلُ يَدَهُ وَنَاوَلَهَا الْخَارِجَ فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ، وَإِنْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهَا مِنْ يَدِ الدَّاخِلِ فَعَلَيْهِمَا الْقَطْعُ.
وَهِيَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةٍ تَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ وَخَرَجَ فَأَخَذَهُ قُطِعَ) وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ كَمَا لَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ، وَكَذَا الْأَخْذُ مِنْ السِّكَّةِ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ.
وَلَنَا أَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهَا السُّرَّاقُ لِتَعَذُّرِ الْخُرُوجِ مَعَ الْمَتَاعِ، أَوْ لِيَتَفَرَّغَ لِقِتَالِ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لِلْفِرَارِ وَلَمْ تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا، فَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ وَأَخْرَجَهُ) لِأَنَّ سَيْرَهُ مُضَافٌ إلَيْهِ لِسَوْقِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا نَقَبَ اللِّصُّ الْبَيْتَ فَدَخَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ فَتَنَاوَلَهُ آخَرُ خَارِجَ الْبَيْتِ) عِنْدَ النَّقْبِ أَوْ عَلَى الْبَابِ (فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا) بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ إخْرَاجِ الدَّاخِلِ يَدَهُ إلَى الْخَارِجِ أَوْ إدْخَالِ الْخَارِجِ يَدَهُ (ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنْ أَخْرَجَ الدَّاخِلُ يَدَهُ مِنْهَا إلَى الْخَارِجِ فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ، وَإِنْ أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَتَنَاوَلَهَا فَعَلَيْهِمَا الْقَطْعُ) وَعُلِّلَ الْإِطْلَاقُ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ بِقولهِ (لِاعْتِرَاضِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَالِ) الْمَسْرُوقِ (قَبْلَ خُرُوجِهِ) أَيْ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّاخِلِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقْطَعَ الدَّاخِلُ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ دَخَلَ الْحِرْزَ وَأَخْرَجَ الْمَالَ مِنْهُ بِنَفْسِهِ.
وَكَوْنُهُ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ مَعَهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ فِي السَّرِقَةِ وَإِخْرَاجِ الْمَالِ، وَمَا قِيلَ إنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ بِفِعْلِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ ثُمَّ الْخَارِجُ لَا يُقْطَعُ فَكَذَا الدَّاخِلُ مَمْنُوعٌ بَلْ تَمَّتْ بِالدَّاخِلِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا تَتِمُّ بِهِمَا إذَا أَدْخَلَ الْخَارِجُ يَدَهُ فَأَخَذَهَا.
وَفِيهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعَانِ.
وَقول مَالِكٍ إنْ كَانَا مُتَعَاوِنَيْنِ قُطِعَا وَهُوَ مَحْمَلُ قول أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ: فَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ بِفِعْلِهِ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا إذَا اتَّفَقَ أَنَّ خَارِجًا رَأَى نَقْبًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَوَقَعَتْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا جَمَعَهُ الدَّاخِلُ فَأَخَذَهُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
قَالَ: وَالْمَسْأَلَةُ بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى تَأْتِي يَعْنِي مَسْأَلَةَ نَقْبِ الْبَيْتِ وَأَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ وَأَخَذَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَا إذَا وَضَعَ الدَّاخِلُ الْمَالَ عِنْدَ النَّقْبِ ثُمَّ خَرَجَ وَأَخَذَهُ، قِيلَ يُقْطَعُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ.
قِيلَ وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ نَهْرٌ جَارٍ فَرَمَى الْمَالَ فِي النَّهْرِ ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَهُ، إنْ خَرَجَ بِقُوَّةِ الْمَاءِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ، وَقِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَا إذَا أَخْرَجَهُ الْمَاءُ بِقُوَّةِ جَرْيِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ.
وَهُوَ قول الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ جَرْيَ الْمَاءِ بِهِ كَانَ بِسَبَبِ إلْقَائِهِ فِيهِ فَيَصِيرُ الْإِخْرَاجُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَهُوَ زِيَادَةُ حِيلَةٍ مِنْهُ لِيَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلْقَطْعِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ رَاكِدًا أَوْ جَرْيُهُ ضَعِيفًا فَأَخْرَجَهُ بِتَحْرِيكِ الْمَاءِ قُطِعَ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا يَرُدُّ نَقْضًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْمَالِ وَلَكِنْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اعْتِرَاضُ الْيَدِ الْمُعْتَبَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ (وَلَوْ أَلْقَاهُ) الدَّاخِلُ (فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ وَأَخَذَهُ قُطِعَ) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ (لَهُ أَنَّ الْإِلْقَاءَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ كَمَا لَوْ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ) بِأَنْ تَرَكَهُ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ (وَكَذَا الْأَخْذُ مِنْ السِّكَّةِ) غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَطْعِ فَلَا يُقْطَعُ بِحَالٍ (وَلَنَا أَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهَا السُّرَّاقُ لِتَعَذُّرِ الْخُرُوجِ مَعَ الْمَتَاعِ لِضِيقِ النَّقْبِ أَوْ لِيَتَفَرَّغَ لِقِتَالِ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لِلْفِرَارِ) إنْ أُدْرِكَ (وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى الْمَالِ الَّذِي أَخْرَجَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا. وَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ مُضَيِّعٌ) لِمَالِ صَاحِبِ الدَّارِ عَدَاوَةً وَمُضَارَّةً (لَا سَارِقٌ) وَإِذَا أَخَذَهُ غَيْرُهُ فَقَدْ اعْتَرَضَتْ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَقُطِعَتْ نِسْبَةُ الْأَخْذِ إلَيْهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ يَدَ السَّارِقِ تَثْبُتُ عَلَيْهِ، وَبِالْإِلْقَاءِ لَمْ تَزُلْ يَدُهُ حُكْمًا لِعَدَمِ اعْتِرَاضِ يَدٍ أُخْرَى، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ سَقَطَ مِنْهُ مَالٌ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَكَانِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حُكْمًا فَرَدُّهُ إلَيْهِ كَرَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ لِسُقُوطِ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ بِالْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ (وَكَذَا إذَا حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ فَأَخْرَجَهُ لِأَنَّ سَيْرَهُ مُضَافٌ إلَيْهِ بِسَوْقِهِ) فَيُقْطَعُ.
وَفِي مَبْسُوطِ أَبِي الْيُسْرِ: وَكَذَا إذَا عَلَّقَهُ فِي عُنُقِ كَلْبٍ وَزَجَرَهُ يُقْطَعُ، وَلَوْ خَرَجَ بِلَا زَجْرِهِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لِلدَّابَّةِ اخْتِيَارًا.
فَمَا لَمْ يَفْسُدْ اخْتِيَارُهَا بِالْحَمْلِ وَالسَّوْقِ لَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَيْهَا.
وَكَذَا إذَا عَلَّقَهُ عَلَى طَائِرٍ فَطَارَ بِهِ إلَى مَنْزِلِ السَّارِقِ أَوْ لَمْ يَسُقْ الْحِمَارَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ إلَى مَنْزِلِ السَّارِقِ لَا يُقْطَعُ.

متن الهداية:
(وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ جَمَاعَةٌ فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ قُطِعُوا جَمِيعًا) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ الْحَامِلُ وَحْدَهُ وَهُوَ قول زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ وُجِدَ مِنْهُ فَتَمَّتْ السَّرِقَةُ بِهِ.
وَلَنَا أَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْكُلِّ مَعْنًى لِلْمُعَاوَنَةِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ يَحْمِلَ الْبَعْضُ الْمَتَاعَ وَيَتَشَمَّرَ الْبَاقُونَ لِلدَّفْعِ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْقَطْعُ لَأَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ جَمَاعَةٌ فَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ قُطِعُوا جَمِيعًا. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ الْحَامِلُ وَحْدَهُ وَهُوَ قول زُفَرَ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ فِعْلَ السَّرِقَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْإِخْرَاجِ بَعْدَ الْأَخْذِ، وَالْأَخْذُ إنْ نُسِبَ إلَى الْكُلِّ فَالْإِخْرَاجُ إنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ فَإِنَّمَا تَمَّتْ السَّرِقَةُ مِنْهُ.
قُلْنَا: نَعَمْ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا قَطْعَهُمْ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ وَإِنْ قَامَ بِهِ وَحْدَهُ لَكِنَّهُ فِي الْمَعْنَى (مِنْ الْكُلِّ لِتَعَاوُنِهِمْ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى) وَإِذَا بَاشَرَ بَعْضُهُمْ الْقَتْلَ وَالْأَخْذَ وَالْبَاقُونَ وُقُوفٌ يَجِبُ حَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى الْكُلِّ لِنِسْبَةِ الْفِعْلِ إلَى الْكُلِّ شَرْعًا بِسَبَبِ مُعَاوَنَتِهِمْ، وَأَنَّ قُدْرَةَ الْقَاتِلِ وَالْآخِذِ إنَّمَا هِيَ بِهِمْ فَكَذَا هَذَا (فَإِنَّ السُّرَّاقَ يَعْتَادُونَ ذَلِكَ فَيَتَفَرَّغُ غَيْرُ الْحَامِلِ لِلدَّفْعِ) فَكَانَ مِثْلَهُ وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَتِمُّ الْوَجْهُ.
وَقولهُ بَعْدَ ذَلِكَ (فَلَوْ امْتَنَعَ الْقَطْعُ أَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ) إنْ مُنِعَ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنَّمَا وَضَعَهَا فِي دُخُولِ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ لَكِنَّهُمْ اشْتَرَكُوا فِي فِعْلِ السَّرِقَةِ لَا يُقْطَعُ إلَّا الدَّاخِلُ إنْ عُرِفَ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عُزِّرُوا كُلُّهُمْ وَأَبَّدَ حَبْسَهُمْ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْمَالَ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يُشْتَرَطُ الدُّخُولُ فِيهِ، كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ فَأَخْرَجَ الْغِطْرِيفِيَّ.
وَلَنَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ وَالْكَمَالِ فِي الدُّخُولِ، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ وَالدُّخُولُ هُوَ الْمُعْتَادُ.
بِخِلَافِ الصُّنْدُوقِ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِيهِ إدْخَالُ الْيَدِ دُونَ الدُّخُولِ، وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْبَعْضِ الْمَتَاعَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَادُ.
قَالَ: (وَإِنْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ الْكُمِّ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ يُقْطَعُ) لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الرِّبَاطَ مِنْ خَارِجٍ، فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الظَّاهِرِ فَلَا يُوجَدُ هَتْكُ الْحِرْزِ.
وَفِي الثَّانِي الرِّبَاطُ مِنْ دَاخِلٍ، فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْكُمُّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الطَّرِّ حَلُّ الرِّبَاطِ، ثُمَّ الْأَخْذُ فِي الْوَجْهَيْنِ يَنْعَكِسُ الْجَوَابُ لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ إمَّا بِالْكُمِّ أَوْ بِصَاحِبِهِ.
قُلْنَا: الْحِرْزُ هُوَ الْكُمُّ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُهُ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ أَوْ الِاسْتِرَاحَةِ فَأَشْبَهَ الْجُوَالِقَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ نَقَبَ الْبَيْتَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعْ) وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَاكِمُ خِلَافًا (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يُقْطَعُ) وَهُوَ قول الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْمَالِ مِنْ الْحِرْزِ هُوَ الْمَقْصُودُ وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَالدُّخُولُ فِيهِ لَمْ يُفْعَلْ قَطُّ إلَّا لَهُ فَكَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ الدُّخُولِ وَقَدْ وُجِدَ، فَاعْتِبَارُهُ شَرْطًا فِي الْقَطْعِ بَعْدَ الْمَقْصُودِ اعْتِبَارُ صُورَةٍ لَا أَثَرَ لَهَا غَيْرُ مَا حَصَلَ (وَصَارَ كَمَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ الصَّيْرَفِيِّ فَأَخْرَجَ الْغِطْرِيفِيَّ) أَوْ فِي الْجُوَالِقِ.
وَالْغِطْرِيفِيُّ: دِرْهَمٌ مَنْسُوبٌ إلَى الْغِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامِ الرَّشِيدِ، وَكَانَتْ دَرَاهِمُهُ مِنْ أَعَزِّ النُّقُودِ بِبُخَارَى.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَنَا أَنَّ هَتْكَ الْحِرْزِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَمَالُ) وَعَرَفْت أَنَّ هَذَا فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ مِنْهُمْ فَأَثْبَتَهُ بِقولهِ (تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ) أَيْ شُبْهَةِ عَدَمِ السَّرِقَةِ وَهِيَ مُسْقِطَةٌ، فَإِنَّ النَّاقِصَ يُشْبِهُ الْعَدَمَ، وَقَدْ يُمْنَعُ نُقْصَانُ هَذِهِ السَّرِقَةِ لِأَنَّهَا أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً مِنْ حِرْزٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَالدُّخُولُ لَيْسَ مِنْ مَفْهُومِهَا، وَلَا شَرْطًا لِوُجُودِهَا إذْ قَدْ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِلَا دُخُولٍ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ مَعَهُ، وَفِي كِلَا الصُّورَتَيْنِ مَعْنَى السَّرِقَةِ تَامٌّ لَا نَقْصَ فِيهِ، وَكَوْنُ الدُّخُولِ هُوَ الْمُعْتَادُ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ شَيْءٍ مَا لَمْ يُبْصِرْهُ بِعَيْنِهِ مِنْ جَوَانِبِ الْبَيْتِ فَيَقْصِدُ إلَيْهِ.
وَقَلَّمَا يُدْخِلُ الْإِنْسَانُ يَدَهُ مِنْ كُوَّةِ بَيْتٍ فَتَقَعُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّنْدُوقِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الصُّنْدُوقِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، بِخِلَافِ الْبَيْتِ (وَبِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَمْلِ الْبَعْضِ الْمَتَاعَ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُعْتَادُ).
قولهُ: (وَمَنْ طَرَّ) أَيْ شَقَّ (صُرَّةً) وَالصُّرَّةُ الْهِمْيَانُ وَالْمُرَادُ مِنْ الصُّرَّةِ هُنَا الْمَوْضِعُ الْمَشْدُودُ فِيهِ دَرَاهِمُ مِنْ الْكُمِّ (لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكُمِّ قُطِعَ، لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الرِّبَاطَ مِنْ خَارِجٍ، فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ خَارِجٍ فَلَا يُوجَدُ هَتْكُ الْحِرْزِ. وَفِي الثَّانِي الرِّبَاطُ مِنْ دَاخِلٍ فَبِالطَّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ الْكُمُّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الطَّرِّ حَلُّ الرِّبَاطِ، ثُمَّ الْأَخْذُ فِي الْوَجْهَيْنِ يَنْعَكِسُ الْجَوَابُ) فَإِذَا كَانَ الرِّبَاطُ مِنْ خَارِجٍ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَ الدَّرَاهِمَ حِينَئِذٍ مِنْ بَاطِنِ الْكُمِّ، وَإِنْ كَانَ الرِّبَاطُ مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْخُذُهَا مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ، فَظَهَرَ أَنَّ انْعِكَاسَ الْجَوَابِ (لِانْعِكَاسِ الْعِلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) أَيْ الطَّرَّارَ (يُقْطَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) وَهُوَ قول الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ فِي صُورَةِ أَخْذِهِ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّزًا بِالْكُمِّ فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِصَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ مُحَرَّزًا بِصَاحِبِهِ وَهُوَ نَائِمٌ إلَى جَنْبِهِ فَلَأَنْ يَكُونَ مُحَرَّزًا بِهِ وَهُوَ يَقْظَانُ وَالْمَالُ يُلَاصِقُ بَدَنَهُ أَوْلَى (قُلْنَا: بَلْ الْحِرْزُ هُنَا لَيْسَ إلَّا الْكُمَّ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَعْتَمِدُ الْكُمَّ) أَوْ الْجَيْبَ لَا قِيَامَ نَفْسِهِ فَصَارَ الْكُمُّ كَالصُّنْدُوقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَطْرُورَ كُمُّهُ إمَّا فِي حَالِ الْمَشْيِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، فَمَقْصُودُهُ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَ إلَّا قَطْعَ الْمَسَافَةِ لَا حِفْظَ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَمَقْصُودُهُ الِاسْتِرَاحَةُ عَنْ حِفْظِ الْمَالِ وَهُوَ شُغْلُ قَلْبِهِ بِمُرَاقَبَتِهِ فَإِنَّهُ مُتْعِبٌ لِلنَّفْسِ فَيَرْبِطُهُ لِيُرِيحَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الرَّبْطُ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ شَقَّ جُوَالِقًا عَلَى جَمَلٍ يَسِيرُ فَأَخَذَ مَا فِيهِ قُطِعَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ اعْتَمَدَ الْجُوَالِقَ فَكَانَ السَّارِقُ مِنْهُ هَاتِكًا لِلْحِرْزِ فَيُقْطَعُ، وَلَوْ أَخَذَ الْجُوَالِقَ بِمَا فِيهِ لَا يُقْطَعُ.
وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ الْفُسْطَاطِ قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ نَفْسَ الْفُسْطَاطِ لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحَرَّزًا بَلْ مَا فِيهِ مُحَرَّزٌ بِهِ فَلِذَا قُطِعَ فِيمَا فِيهِ دُونَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْفُسْطَاطُ مَلْفُوفًا عِنْدَهُ يَحْفَظُهُ أَوْ فِي فُسْطَاطٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ.
وَلَوْ سَرَقَ الْغَنَمَ مِنْ الْمَرْعَى لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الرَّاعِي مَعَهَا، لِأَنَّ الرَّاعِيَ لَا يَقْصِدُ الْحِفْظَ بَلْ مُجَرَّدَ الرَّعْيِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ فِي حَظِيرَةٍ بَنَاهَا لَهَا وَعَلَيْهَا بَابٌ مُغْلَقٌ فَأَخْرَجَهَا مِنْهُ قُطِعَ لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِحِفْظِهَا.
وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ الرَّاعِي بِحَيْثُ يَرَاهَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا مُحَرَّزَةٌ بِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ نَظَرِهِ أَوْ هُوَ نَائِمٌ أَوْ مَشْغُولٌ فَلَيْسَتْ مُحَرَّزَةً، وَكَذَا إذَا أَخَذَ الْجُوَالِقَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْجِمَالِ الْمُقَطَّرَةِ يُقْطَعُ.
وَبِمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الطَّرِّ ظَهَرَ أَنَّ مَا يُطْلَقُ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الطَّرَّارَ يُقْطَعُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ.
(وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّزٍ مَقْصُودًا فَتَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّائِقَ وَالْقَائِدَ وَالرَّاكِبَ يَقْصِدُونَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ.
حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ الْأَحْمَالِ مَنْ يَتْبَعُهَا لِلْحِفْظِ قَالُوا يُقْطَعُ (وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ وَأَخَذَ مِنْهُ قُطِعَ) لِأَنَّ الْجُوَالِقَ فِي مِثْلِ هَذَا حِرْزٌ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ فِيهِ صِيَانَتَهَا كَالْكُمِّ فَوُجِدَ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ (وَإِنْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَصَاحِبُهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ قُطِعَ) وَمَعْنَاهُ إنْ كَانَ الْجُوَالِقُ فِي مَوْضِعٍ هُوَ لَيْسَ بِحِرْزٍ كَالطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ مُحَرَّزًا بِصَاحِبِهِ لِكَوْنِهِ مُتَرَصِّدًا لِحِفْظِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحِفْظُ الْمُعْتَادُ وَالْجُلُوسُ عِنْدَهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ يُعَدُّ حِفْظًا عَادَةً وَكَذَا النَّوْمُ بِقُرْبٍ مِنْهُ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.
وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ حَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهُ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقول الْمُخْتَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْقِطَارِ بَعِيرًا أَوْ حِمْلًا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحِرْزٍ مَقْصُودٍ فَتَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّائِقَ وَالرَّاكِبَ وَالْقَائِدَ إنَّمَا يَقْصِدُونَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ الْأَحْمَالِ مَنْ يَتْبَعُهَا لِلْحِفْظِ قَالُوا يُقْطَعُ وَإِنْ شَقَّ الْحِمْلَ وَأَخَذَ مِنْهُ قُطِعَ لِأَنَّ الْجُوَالِقَ فِي مِثْلِ هَذَا حِرْزٌ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ فِيهِ صِيَانَتُهَا كَالْكُمِّ فَوُجِدَ الْأَخْذُ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كُلٌّ مِنْ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ حَافِظٌ حِرْزٌ فَيُقْطَعُ فِي أَخْذِ الْجَمَلِ وَالْحِمْلِ وَالْجُوَالِقِ وَالشَّقِّ ثُمَّ الْأَخْذِ.
وَأَمَّا الْقَائِدُ فَحَافِظٌ لِلْحِمْلِ الَّذِي زِمَامُهُ بِيَدِهِ فَقَطْ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَهُمْ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرَاهَا إذَا الْتَفَتَ إلَيْهَا حَافِظٌ لِلْكُلِّ فَالْكُلُّ مُحَرَّزَةٌ عِنْدَهُمْ بِقَوْدِهِ.
وَفَرْضُ أَنَّ قَصْدَهُ الْقَطْعُ لِلْمَسَافَةِ وَنَقْلُ الْأَمْتِعَةِ لَا يُنَافِي أَنْ يَقْصِدَ الْحِفْظَ مَعَ ذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ ذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَكَوْنُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يُوجِبْ الْقَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الرَّاعِي إيَّاهَا فِي الْمَرْعَى وَغَيْبَتِهَا عَنْ عَيْنِهِ أَوْ مَعَ نَوْمِهِ، وَالْقِطَارُ بِكَسْرِ الْقَافِ: الْإِبِلُ يُشَدُّ زِمَامُ بَعْضِهَا خَلْفَ بَعْضٍ عَلَى نَسَقٍ، وَمِنْهُ جَاءَ الْقَوْمُ مُتَقَاطِرِينَ: إذَا جَاءَ بَعْضُهُمْ إثْرَ بَعْضٍ.
قولهُ: (وَإِنْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَصَاحِبُهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ قُطِعَ. وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ الْجُوَالِقُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِحِرْزٍ كَالطَّرِيقِ) وَالْمَفَازَةِ وَالْمَسْجِدِ (وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ مُحَرَّزًا بِصَاحِبِهِ لِكَوْنِهِ مُتَرَصِّدًا لِحِفْظِهِ. وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْحِفْظُ الْمُعْتَادُ، وَالْجُلُوسُ عِنْدَهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ يُعَدُّ حِفْظًا عَادَةً، وَكَذَا النَّوْمُ بِقُرْبٍ مِنْهُ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي عِنْدَ التَّصْحِيحِ.
وَقولهُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ النَّائِمُ عِنْدَ مَتَاعِهِ حَافِظًا لَهُ فِي الْعَادَةِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَامِعِ: وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ حَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهُ وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقول الْمُخْتَارِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي قَطْعِ السَّارِقِ مِنْ الْحَافِظِ كَوْنُهُ عِنْدَهُ أَوْ تَحْتَهُ.

.فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ:

قَالَ: (وَيُقْطَعُ يَمِينَ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ وَيُحْسَمُ) فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَالْيَمِينُ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمِنْ الزَّنْدِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُ الْيَدَ إلَى الْإِبِطِ، وَهَذَا الْمَفْصِلُ: أَعْنِي الرُّسْغَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ، كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ، وَالْحَسْمُ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ،» وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ (فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَمْ يُقْطَعْ وَخُلِّدَ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي الثَّالِثَةِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَيُرْوَى مُفَسَّرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي كَوْنِهَا جِنَايَةً بَلْ فَوْقَهَا فَتَكُونُ أَدْعَى إلَى شَرْعِ الْحَدِّ.
وَلَنَا قول عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ: إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا، بِهَذَا حَاجَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَحَجَّهُمْ فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ إهْلَاكٌ مَعْنًى لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ، وَلِأَنَّهُ نَادِرُ الْوُجُودِ وَالزَّجْرُ فِيمَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُسْتَوْفَى مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ.
وَالْحَدِيثُ طَعَنَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى السِّيَاسَةِ.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) ظَاهِرُ تَرْتِيبِهِ عَلَى بَيَانِ نَفْسِ السَّرِقَةِ وَتَفَاصِيلِ الْمَالِ وَالْحِرْزِ لِأَنَّهُ حُكْمُ سَرِقَةِ الْمَالِ الْخَالِصِ مِنْ الْحِرْزِ فَيَتَعَقَّبُهُ (فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَا مِنْ قَبْلُ) وَهُوَ قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَالْمَعْنَى يَدَيْهُمَا، وَحُكْمُ اللُّغَةِ أَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْ الْخَلْقِ إلَى اثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ أَنْ يُجْمَعَ مِثْلُ قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وَقَدْ يُثَنَّى وَقَالَ: ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ وَالْأَفْصَحُ الْجَمْعُ، وَأَمَّا كَوْنُهَا الْيَمِينَ.
فَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ قِرَاءَةٌ مَشْهُورَةٌ فَكَانَ خَبَرًا مَشْهُورًا فَيُقَيِّدُ إطْلَاقَ النَّصِّ، فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ بَيَانِ الْمُجْمَلِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي قوله: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَقَدْ قَطَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْيَمِينَ، وَكَذَا الصَّحَابَةُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُرَادًا لَمْ يَفْعَلْهُ وَكَانَ يَقْطَعُ الْيَسَارَ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَنْفَعُ مِنْ الْيَسَارِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَحْدَهَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْيَسَارِ، فَلَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ مُرَادًا وَالِامْتِثَالُ يَحْصُلُ بِكُلٍّ لَمْ يَقْطَعْ إلَّا الْيَسَارَ عَلَى عَادَتِهِ مِنْ طَلَبِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ مَا أَمْكَنَ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الزَّنْدِ وَهُوَ مَفْصِلُ الرُّسْغِ وَيُقَالُ الْكُوعُ فَلِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ، وَمِثْلُهُ لَا يُطْلَبُ فِيهِ سَنَدٌ بِخُصُوصِهِ كَالْمُتَوَاتِرِ لَا يُبَالِي فِيهِ بِكُفْرِ النَّاقِلِينَ فَضْلًا عَنْ فِسْقِهِمْ أَوْ ضَعْفِهِمْ.
وَرُوِيَ فِيهِ خُصُوصُ مُتُونٍ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حَدِيثِ رِدَاءِ صَفْوَانَ قَالَ فِيه: «ثُمَّ أُمِرَ بِقَطْعِهِ مِنْ الْمَفْصِلِ» وَضُعِّفَ بِالْعَزْرَمِيِّ.
وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَال: «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارِقًا مِنْ الْمَفْصِلِ» وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا أَعْرِفُ لَهُ حَالًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ رَجُلًا مِنْ الْمَفْصِلِ» وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِرْسَالُ.
وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَطَعَا مِنْ الْمَفْصِلِ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، فَمَا نُقِلَ عَنْ شُذُوذٍ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَطْعِ الْأُصْبُعِ لِأَنَّ بِهَا الْبَطْشَ، وَعَنْ الْخَوَارِجِ مِنْ أَنَّ الْقَطْعَ مِنْ الْمَنْكِبِ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.
وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ هُوَ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَهُمْ لَمْ يَقْدَحُوا فِي الْإِجْمَاعِ قَبْلَ الْفِتْنَةِ، وَلِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَعَلَى مَا إلَى الرُّسْغِ إطْلَاقًا أَشْهَرَ مِنْهُ إلَى الْمَنْكِبِ، بَلْ صَارَ يَتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْيَدِ فَكَانَ أَوْلَى بِاعْتِبَارِهِ؛ لَئِنْ سَلِمَ اشْتِرَاكُ الِاسْمِ جَازَ كَوْنُ مَا إلَى الْمَنْكِبِ هُوَ الْمُرَادُ وَمَا إلَى الرُّسْغِ، فَيَتَعَيَّنُ مَا إلَى الرُّسْغِ دَرْءًا لِلزَّائِدِ عِنْدَ احْتِمَالِ عَدَمِهِ.
وَأَمَّا الْحَسْمُ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُتِيَ بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَا إخَالُهُ سَرَقَ فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ، فَقُطِعَ ثُمَّ حُسِمَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: تُبْ إلَى اللَّهِ، قَالَ: تُبْت إلَى اللَّهِ، قَالَ: تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ» وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حُجَيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الْمَفْصِلِ ثُمَّ حَسَمَهُمْ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَإِلَى أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا أُيُورُ الْحُمُرِ.
وَالْحَسْمُ الْكَيُّ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ.
وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ: هُوَ أَنْ يُغْمَسَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ، وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْحَسْمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ أَمَرَ الْقَاطِعَ بِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ، وَعِنْدَنَا هُوَ عَلَى السَّارِقِ.
وَقول الْمُصَنِّفِ (لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ) يَقْتَضِي وُجُوبَهُ، وَالْمَنْقول عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَأْثَمُ.
وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً قولهُ (وَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ يُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالرَّوَافِضُ: يُقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْطَعُ كَذَلِكَ وَيَدَعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهِ.
قَالَ: (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَا يُقْطَعُ) بَلْ يُعَزَّرُ (وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) أَوْ يَمُوتَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الثَّالِثَةِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ») وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يُعْرَفُ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ قَال: «جِيءَ بِسَارِقٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ قَالَ: اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَقَالَ اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، فَقَالَ اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الْخَامِسَةِ قَالَ: اُقْتُلُوهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ اجْتَرَرْنَاهُ فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بِئْرٍ وَرَمَيْنَا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ» قَالَ النَّسَائِيّ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ اللَّخْمِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلِصٍّ قَالَ اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اقْطَعُوهُ، فَقُطِعَ، ثُمَّ سَرَقَ فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ، ثُمَّ سَرَقَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ الْأَرْبَعُ كُلُّهَا. ثُمَّ سَرَقَ الْخَامِسَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ بِهَذَا حِينَ قَالَ: اُقْتُلُوهُ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَرُوِيَ مُفَسَّرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَال: «إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ. فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ. فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَفِي سَنَدِهِ الْوَاقِدِيُّ.
وَهُنَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ الطَّعْنِ، وَلِذَا طَعَنَ الطَّحَاوِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: الْحَدِيثُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِلَّا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي مُشَاوَرَةِ عَلِيٍّ؛ وَلَئِنْ سَلِمَ يُحْمَلُ عَلَى الِانْتِسَاخِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ تَغْلِيظٌ فِي الْحُدُودِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ أَيْدِي الْعُرَنِيِّينَ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ اُنْتُسِخَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ ظَلَمَهُ، فَكَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَيَقول أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأَبِيك مَا لَيْلُك بِلَيْلِ سَارِقٍ، ثُمَّ إنَّهُمْ فَقَدُوا عِقْدًا لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَطُوفُ مَعَهُمْ وَيَقول: اللَّهُمَّ عَلَيْك بِمَنْ بَيَّتَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ، فَوَجَدُوا الْحُلِيَّ عِنْدَ صَائِغٍ زَعَمَ أَنَّ الْأَقْطَعَ جَاءَهُ بِهِ، فَاعْتَرَفَ الْأَقْطَعُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَدُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَشَدُّ عَلَيْهِ مِنْ سَرِقَتِهِ.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلٌ أَقْطَعُ.
فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ فِي سَرِقَةٍ وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا زِدْت عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُوَلِّينِي شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ فَخُنْته فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطَعَ يَدِي وَرِجْلِي، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إنْ كُنْت صَادِقًا فَلَأُقِيدَنَّكَ مِنْهُ، فَلَمْ يَلْبَسُوا إلَّا قَلِيلًا حَتَّى فَقَدَ آلُ أَبِي بَكْرٍ حُلِيًّا لَهُمْ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَظْهِرْ مَنْ سَرَقَ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ الصَّالِحِ، قَالَ: فَمَا انْتَصَفَ النَّهَارُ حَتَّى عَثَرُوا عَلَى الْمَتَاعِ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَيْلَك إنَّك لَقَلِيلُ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ، فَقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ الثَّانِيَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إنَّمَا كَانَ الَّذِي سَرَقَ حُلِيَّ أَسْمَاءَ أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُمْنَى فَقَطَعَ أَبُو بَكْرٍ رِجْلَهُ الْيُسْرَى.
قَالَ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ أَعْلَمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ هَذَا.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُعَزَّزُ وَيُحْبَسُ كَقولنَا فِي الثَّالِثَةِ.
قولهُ: (وَلَنَا قول عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إذَا سَرَقَ السَّارِقُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ ضَمَّنْته السِّجْنَ حَتَّى يُحْدِثَ خَيْرًا، إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ أَنْ أَدَعَهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَرِجْلٌ يَمْشِي عَلَيْهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ لَا يَقْطَعُ إلَّا الْيَدَ وَالرِّجْلَ. وَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ سَجَنَهُ وَيَقول: إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يُقْطَعَ السَّارِقُ يَدًا وَرِجْلًا، فَإِذَا أُتِيَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ أَدَعَهُ لَا يَتَطَهَّرُ لِصَلَاتِهِ. وَلَكِنْ احْبِسُوهُ.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَالَ أَقْطَعُ يَدَهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَتَمَسَّحُ وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ، أَقْطَعُ رِجْلَهُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَمْشِي، إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ وَخَلَّدَهُ فِي السِّجْنِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ عَنْ السَّارِقِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ بِمِثْلِ قول عَلِيٍّ.
وَأَخْرَجَ عَنْ سِمَاكٍ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَهُمْ فِي سَارِقٍ فَأَجْمَعُوا عَلَى مِثْلِ قول عَلِيٍّ.
وَأَخْرَجَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إذَا سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، وَلَا تَقْطَعُوا يَدَهُ الْأُخْرَى وَذَرُوهُ يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَلَكِنْ احْبِسُوهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَخْرَجَ عَنْ النَّخَعِيِّ كَانُوا يَقولونَ: لَا يُتْرَكُ ابْنُ آدَمَ مِثْلَ الْبَهِيمَةِ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ ثَبَتَ ثُبُوتًا لَا مَرَدَّ لَهُ، فَبَعِيدٌ أَنْ يَقَعَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذِهِ الْحَوَادِثِ الَّتِي غَالِبًا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا مِثْلُ سَارِقٍ يَقْطَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَتَهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ وَالصَّحَابَةُ يَجْتَمِعُونَ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ عِنْدَ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمُلَازِمِينَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَلْ أَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ إنْ كَانَ يَنْقُلُ لَهُمْ إنْ غَابُوا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ تَقْضِي الْعَادَةُ، فَامْتِنَاعُ عَلِيٍّ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا لِضَعْفِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِتْيَانِ عَلَى أَرْبَعَتِهِ وَإِمَّا لِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حَدًّا مُسْتَمِرًّا بَلْ مَنْ رَأَى الْإِمَامُ قَتْلَهُ لَمَّا شَاهَدَ فِيهِ مِنْ السَّعْيِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَبَعْدَ الطِّبَاعِ عَنْ الرُّجُوعِ فَلَهُ قَتْلُهُ سِيَاسَةً فَيَفْعَلُ ذَلِكَ الْقَتْلَ الْمَعْنَوِيَّ.
قولهُ: (وَبِهَذَا حَاجَّ عَلِيٌّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَحَجَّهُمْ فَانْعَقَدَ إجْمَاعًا) يُشِيرُ إلَى مَا فِي تَنْقِيحِ ابْنِ عَبْدِ الْهَادِي.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَضَرْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ أُتِيَ بِرَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ قَالُوا اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: قَتَلْته إذًا وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ، بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَتِهِ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ عَلَى حَاجَتِهِ، فَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ أَيَّامًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فَقَالُوا مِثْلَ قولهِمْ الْأَوَّلِ وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ.
وَقَالَ سَعِيدٌ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ فَأَمَرَ أَنْ يُقْطَعَ رِجْلُهُ.
فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ الله: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الْآيَةَ، فَقَدْ قَطَعْت يَدَ هَذَا وَرِجْلَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقْطَعَ رِجْلَهُ فَتَدَعَهُ لَيْسَ لَهُ قَائِمَةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا، إمَّا أَنْ تُعَزِّرَهُ، وَإِمَّا أَنْ تُودِعَهُ السِّجْنَ فَاسْتَوْدَعَهُ السِّجْنَ.
وَهَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَهُوَ مِمَّا يُؤَيِّدُ ضَعِيفَ الْحَدِيثِ مِنْ اسْتِدْلَالِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُوَافَقَةِ عُمَرَ لَهُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّهُ إهْلَاكٌ مَعْنًى) هُوَ مِنْ قول عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَتَلْته إذًا (وَالْحَدُّ زَاجِرٌ) لَا مُهْلِكٌ (وَلِأَنَّهُ نَادِرُ الْوُجُودِ) أَيْ يَنْدُرُ أَنْ يَسْرِقَ الْإِنْسَانُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ (وَالْحَدُّ) لَا يُشْرَعُ إلَّا (فِيمَا يَغْلِبُ) عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ (بِخِلَافِ الْقِصَاصِ) يَعْنِي لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيَّ رَجُلٍ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ أَرْبَعَتَهُ قُطِعَتْ أَرْبَعَتُهُ (لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ مَا أَمْكَنَ جَبْرًا لِحَقِّهِ) لَا يُقَالُ: الْيَدُ الْيُسْرَى مَحَلُّ لِلْقَطْعِ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ.
لِأَنَّا نَقول: لَمَّا وَجَبَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ مِنْهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَمَلًا بِالْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ خَرَجَتْ مِنْ كَوْنِهَا مُرَادَةً وَتَعَيَّنَتْ الْيُمْنَى مُرَادَةً.
وَالْأَمْرُ الْمَقْرُونُ بِالْوَصْفِ وَإِنْ تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لَكِنْ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ أَمْكَنَ، وَإِذَا انْتَفَى إرَادَةُ الْيُسْرَى بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّقْيِيدِ انْتَفَى مَحَلِّيَّتُهَا لِلْقَطْعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَكْرَارُهُ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا، وَثَبَتَ قَطْعُ الرِّجْلِ فِي الثَّانِيَةِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَانْتَفَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى الْعَدَمِ.

متن الهداية:
(وَإِذَا كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَقْطَعَ أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا أَوْ مَشْيًا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ لِمَا قُلْنَا (وَكَذَا إذَا كَانَتْ إبْهَامُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ الْأُصْبُعَانِ مِنْهَا سِوَى الْإِبْهَامِ) لِأَنَّ قِوَامَ الْبَطْشِ بِالْإِبْهَامِ (فَإِنْ كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ قُطِعَ) لِأَنَّ فَوَاتَ الْوَاحِدَةِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا ظَاهِرًا فِي الْبَطْشِ، بِخِلَافِ فَوَاتِ الْأُصْبُعَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَتَنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ الْإِبْهَامِ فِي نُقْصَانِ الْبَطْشِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَشَلَّ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى) أَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ (لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ فِي الْقَطْعِ) وَالْحَالَةُ هَذِهِ (تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا) فِيمَا إذَا كَانَتْ الْيَدُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً أَوْ مَشْلُولَةً (أَوْ مَشْيًا) إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَتَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ إهْلَاكٌ حَتَّى وَجَبَ تَمَامُ الدِّيَةِ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَشْيَ لَا يَتَأَتَّى مَعَ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (وَكَذَا) لَا يُقْطَعُ يَمِينَ السَّارِقِ (إذَا كَانَتْ إبْهَامُ يَدِهِ الْيُسْرَى) أَوْ رِجْلِهِ الْيُسْرَى (مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ أَوْ الْأُصْبُعَانِ) مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (سِوَى الْإِبْهَامِ) لِأَنَّ فَوْتَهُمَا يَقُومُ مَقَامَ فَوْتِ الْإِبْهَامِ فِي نُقْصَانِ الْبَطْشِ، بِخِلَافِ فَوْتِ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ الْإِبْهَامِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ فَيُقْطَعُ، وَلَا يُشْكَلُ أَنَّ الشَّلَلَ وَقَطْعَ الْإِبْهَامِ وَالْأَصَابِعِ لَوْ كَانَ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً قُطِعَتْ فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ نَاقِصَةً، وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ حَيْثُ جُعِلَ الْقَائِمُ مَقَامَ الْإِبْهَامِ الْمُخِلِّ بِالْبَطْشِ فَوَاتُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَهُنَا جَعَلَهُ أُصْبُعَيْنِ لِأَنَّ الْحَدَّ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا فِي سَرِقَةٍ سَرَقَهَا فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ وَيَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ) وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَضْمَنُ فِي الْخَطَأِ أَيْضًا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْمُرَادُ بِالْخَطَأِ هُوَ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا. وَقِيلَ يُجْعَلُ عُذْرًا أَيْضًا لَهُ أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنُ.
قُلْنَا إنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ، إذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ تَعْيِينُ الْيَمِينِ، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَوْضُوعٌ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٍ لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الظُّلْمَ فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ لِلشُّبْهَةِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَلَا يُعَدُّ إتْلَافًا كَمَنْ شَهِدَ عَلَى غَيْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَهُ غَيْرُ الْحَدَّادِ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ يَسَارَهُ وَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ قَطْعَهُ بِأَمْرِهِ.
ثُمَّ فِي الْعَمْدِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا.
وَفِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَعَلَى طَرِيقَةِ الِاجْتِهَادِ لَا يَضْمَنُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلْحَدَّادِ) أَيْ لِلَّذِي يُقِيمُ الْحَدَّ فَعَّالٌ مِنْهُ كَالْجَلَّادِ مِنْ الْجَلْدِ (اقْطَعْ يَمِينَ هَذَا فِي سَرِقَةٍ سَرَقَهَا فَقَطَعَ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ (وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَإِ وَيَضْمَنُ فِي الْعَمْدِ) أَرْشَ الْيَسَارِ (وَعِنْدَ زُفَرَ يَضْمَنُ فِي الْخَطَإِ أَيْضًا) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ اقْطَعْ يَدَ هَذَا فَقَطَعَ الْيَسَارَ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ كَقولنَا فِيمَا إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ فِي انْتِظَارِ التَّعْدِيلِ ثُمَّ عُدِّلَتْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَتُقْطَعُ يَدُ الْقَاطِعِ قِصَاصًا وَيَضْمَنُ الْمَسْرُوقُ لَوْ كَانَ أَتْلَفَهُ، لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ بِاسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَدْ.
وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى يُقْتَصُّ لَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَطْعُ الْيُمْنَى لِمَا عُرِفَ.
قولهُ: (وَالْمُرَادُ) أَيْ الْمُرَادُ (بِالْخَطَأِ) الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ (الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ) وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْطَعَ الْيُسْرَى بَعْدَ قول الْحَاكِمِ اقْطَعْ يَمِينَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي أَنَّ قَطْعَهَا يُجْزِئُ عَنْ قَطْعِ السَّرِقَةِ نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (أَمَّا الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الشِّمَالِ لَا يُجْعَلُ عَفْوًا) لِأَنَّهُ بَعِيدٌ يُتَّهَمُ فِيهِ مُدَّعِيهِ، وَعَلَى هَذَا فَالْقَطْعُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَمْدٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَعْنَى الْعَمْدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَطْعَ لِلْيَسَارِ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ فِي إجْزَائِهَا (وَقِيلَ) الْخَطَأُ فِي الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ (يُجْعَلُ عَفْوًا أَيْضًا. لِزُفَرَ أَنَّهُ قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً. وَالْخَطَأُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فَيَضْمَنُهَا. وَلَنَا أَنَّهُ) إنَّمَا (أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ وَخَطَأُ الْمُجْتَهِدِ مَوْضُوعٌ) بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يُسَوِّي بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ (وَلَهُمَا) فِي الْعَمْدِ (أَنَّهُ) جَانٍ حَيْثُ (قَطَعَ يَدًا مَعْصُومَةً بِلَا تَأْوِيلٍ تَعَمُّدًا لِلظُّلْمِ فَلَا يُعْفَى وَإِنْ كَانَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ) لِأَنَّهُ هُوَ لَمْ يَفْعَلْهُ عَنْ اجْتِهَادٍ (وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقَوَدُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ) النَّاشِئَةِ مِنْ إطْلَاقِ النَّصِّ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ) وَإِنْ (أَتْلَفَ) بِلَا حَقٍّ ظُلْمًا لَكِنَّهُ (أَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ) وَهِيَ الْيَمِينُ فَإِنَّهَا لَا تُقْطَعُ بَعْدَ قَطْعِ الْيُسْرَى وَهِيَ خَيْرٌ لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهَا أَتَمُّ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ أَخْلَفَ لِأَنَّ الْيَمِينَ كَانَتْ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَكَانَتْ كَالْفَائِتَةِ فَأَخْلَفَهَا إلَى خَلْفِ اسْتِمْرَارِهَا وَبَقَائِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، لِأَنَّهُ وَإِنْ امْتَنَعَ بِهِ قَطْعُ يَدِهِ لَكِنْ لَمْ يُعَوِّضْهُ مِنْ جِنْسِ مَا أُتْلِفَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ، وَأَمَّا إنْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَلَمْ يُعَوِّضْ عَلَيْهِ شَيْئًا أَصْلًا وَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ بِبَيْعِ عَبْدٍ بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ شَهِدَا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَضْمَنَانِ شَيْئًا.
قولهُ: (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى تَعْلِيلِ قول أَبِي حَنِيفَةَ بِالْإِخْلَافِ بِقَطْعِ يَسَارِهِ (غَيْرِ الْحَدَّادِ أَيْضًا) لِلْإِخْلَافِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ إذَا قَطَعَ الْحَدَّادُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ، وَلَوْ قَطَعَ يَسَارَهُ غَيْرُهُ فَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ وَفِي الْخَطَإِ الدِّيَةُ.
قولهُ: (وَلَوْ أَنَّ السَّارِقَ أَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَالَ هَذِهِ يَمِينِي) فَقَطَعَهَا (لَا يَضْمَنُ) وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا يَسَارُهُ (بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ ثُمَّ فِي الْعَمْدِ عِنْدَهُ عَلَى السَّارِقِ ضَمَانُ الْمَالِ) إذَا كَانَ اسْتَهْلَكَهُ (لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ حَدًّا فَفِي الْخَطَإِ كَذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ) أَعْنِي طَرِيقَةَ عَدَمِ وُقُوعِهِ حَدًّا.
وَقِيلَ طَرِيقَةُ الْإِخْلَافِ وَلَازِمُهَا عَدَمُ وُقُوعِهِ حَدًّا فَكِلَاهُمَا وَاحِدٌ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَى اللَّفْظِ (وَعَلَى طَرِيقَةِ الِاجْتِهَادِ لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ الْحَدِّ وَالْقَطْعُ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ.
وَإِنَّمَا خَصَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى السَّارِقِ فِي عَمْدِ الْقَطْعِ مَعَ أَنَّهُمَا أَيْضًا يَضْمَنَانِهِ لِأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى قولهِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ عَلَى الْحَدَّادِ ضَمَانًا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَطْعَ الْحَدَّادِ وَقَعَ حَدًّا وَلِذَا لَمْ يَضْمَنْهُ، فَأَزَالَ الْوَهْمَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهُ لِإِخْلَافِهِ لَا لِوُقُوعِهِ حَدًّا.

متن الهداية:
(وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبُ بِالسَّرِقَةِ) لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِخُصُومَتِهِ، وَكَذَا إذَا غَابَ عِنْدَ الْقَطْعِ عِنْدَنَا، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَيُطَالِبُ بِالسَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ) وَالْخَصْمُ هُوَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا تُشْتَرَطُ الْمُطَالَبَةُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَكَمَا فِي حَدِّ الزِّنَا.
وَقولهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْإِقْرَارِ) هُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ عِنْدَهُ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ كَالْبَيِّنَةِ.
يَعْنِي إذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ إنِّي سَرَقْت مَالَ فُلَانٍ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ حَتَّى يَحْضُرَ فُلَانٌ وَيَدَّعِي.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ خُصُومَةَ الْعَبْدِ لَيْسَ إلَّا لِيَظْهَرَ سَبَبُ الْقَطْعِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.
وَبِالْإِقْرَارِ يَظْهَرُ السَّبَبُ فَلَا حَاجَةَ إلَى ظُهُورِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ فَهُوَ لِلْمُقِرِّ ظَاهِرًا.
وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ لِغَائِبٍ ثُمَّ لِحَاضِرٍ جَازَ، وَلِأَنَّ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ بِإِبَاحَةِ الْمَالِكِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِطَائِفَةِ السَّارِقِ مِنْهُمْ ثَابِتَةٌ.
وَكَذَا شُبْهَةُ وُجُودِ إذْنِهِ لَهُ فِي دُخُولِهِ فِي بَيْتِهِ فَاعْتُبِرَتْ الْمُطَالَبَةُ دَفْعًا لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ.
بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ بِإِبَاحَةٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَمْ تَتَمَكَّنْ فِيهِ هَذِهِ الشُّبْهَةُ.
وَالْحَقُّ احْتِمَالُ إبَاحَةِ الْمَالِكِ وَنَحْوِهِ هِيَ الشُّبْهَةُ الْمَوْهُومَةُ الَّتِي سَيَنْفِيهَا الْمُصَنِّفُ وَسَيَتَّضِحُ لَك، فَالْمُعَوِّلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مِلْكَ الْمُقَرَّرِ قَائِمٌ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُقَرُّ لَهُ.
قولهُ: (وَكَذَا إذَا غَابَ) الْمَسْرُوقُ مِنْهُ (عِنْدَ الْقَطْعِ) لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَحْضُرَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِمَالِكٍ (لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ) عَلَى مَا مَرَّ، وَعَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَكُونُ التَّشْبِيهُ فِي ثُبُوتِ خِلَافِ الشَّافِعِيِّ، لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ كَقولنَا، وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ شَرْطُ شَرْعٍ مِنْ بَيَانِ مَنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ.

متن الهداية:
فَقَالَ: (وَلِلْمُسْتَوْدَعِ وَالْغَاصِبِ وَصَاحِبِ الرِّبَا أَنْ يَقْطَعُوا السَّارِقَ مِنْهُمْ) وَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَقْطَعَهُ أَيْضًا، وَكَذَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَوْدَعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمُرْتَهِنُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ سِوَى الْمَالِكِ، وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فِي السَّرِقَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْعَيْنِ بِدُونِهِ.
وَالشَّافِعِيُّ بَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ لَا خُصُومَةَ لِهَؤُلَاءِ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَهُ.
وَزُفَرُ يَقول: وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ ضَرُورَةُ الْحِفْظِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الصِّيَانَةِ.
وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا، وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَقِيبَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ مُطْلَقًا إذْ الِاعْتِبَارُ لِحَاجَتِهِمْ إلَى الِاسْتِرْدَادِ فَيَسْتَوْفِي الْقَطْعَ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُصُومَةِ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومَةِ الِاعْتِرَاضِ كَمَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةُ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ ثَابِتَةً.
الشَّرْحُ:
(وَلِلْمُسْتَوْدَعِ) بِفَتْحِ الدَّالِ (وَالْغَاصِبِ وَصَاحِبِ الرِّبَا أَنْ يَقْطَعُوا السَّارِقَ مِنْهُمْ) أَيْ إذَا سَرَقَ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ، وَأَمَّا صَاحِبُ الرِّبَا فَكَالْمُشْتَرِي عَشَرَةً بِخَمْسَةٍ إذَا قَبَضَ الْعَشَرَةَ فَسَرَقَهَا سَارِقٌ قَطَعَ بِخُصُومَتِهِ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ فِي يَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ.
إذْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَالْمَغْصُوبِ (وَلِرَبِّ الْوَدِيعَةِ أَنْ) يُخَاصِمَهُ وَ(يَقْطَعَهُ أَيْضًا) كَمَا لِلْمُودَعِ (وَكَذَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَوْدَعِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُضَارِبُ وَالْمُسْتَبْضِعُ وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمُرْتَهِنُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ يَدٌ حَافِظَةٌ) كَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ يَقْطَعُ السَّارِقَ لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ بِخُصُومَتِهِمْ (وَيُقْطَعُ أَيْضًا السَّارِقُ مِنْ هَؤُلَاءِ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ) بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ (إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ) وَالصَّحِيحُ مِنْ نُسَخِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ بِقولهِ (لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْعَيْنِ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي رَدِّهَا، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْقَضَاءِ.
وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جَوَابَ الْقِيَاسِ: يَعْنِي أَنَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ كَالْمُودَعِ يَسْتَرِدُّهُ لِلْحِفْظِ فَلَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ، وَقَيَّدَ بِقولهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَهْلِكًا لَا يُقْطَعُ إلَّا بِخُصُومَةِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ سَقَطَ عَنْ الرَّاهِنِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِي مُطَالَبَتِهِ بِالْعَيْنِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِلْحِفْظِ.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلرَّاهِنِ وِلَايَةُ الْقَطْعِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَزْيَدَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ عَشَرَةٍ، لِأَنَّ الزَّائِدَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ الْمُرْتَهِنُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ كَالْمُودَعِ وَالرَّاهِنُ كَالْمُودَعِ فَيُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ.
قولهُ: (فَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَنَاهُ) أَيْ بَنَى عَدَمَ الْقَطْعِ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ (عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ أَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُمْ فِي الِاسْتِرْدَادِ) عِنْدَ جُحُودِ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ الْمُودَعُ كَأَبْنَاءِ غَيْرِ الْمُودَعِ، إلَّا أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْخُصُومَةَ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ لِإِبْقَاءِ الْيَدِ، فَلَأَنْ لَا يَمْلِكُوهَا لِإِعَادَةِ الْيَدِ أَوْلَى.
قِيلَ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِهِمْ يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ يَدِ الْمُودَعِ وَالْوَكِيلِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا يَقول مَالِكٌ وَيَزِيدُ الْمُسْتَعِيرَ أَيْضًا (وَزُفَرُ يَقول: وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ ضَرُورَةُ الْحِفْظِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَطْعِ (تَفْوِيتَ الصِّيَانَةِ) لِسُقُوطِ الضَّمَانِ بِهِ فَيَفُوتُ الْحِفْظُ فَيَعُودُ الْأَمْرُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ إذْ تَصِيرُ خُصُومَتُهُ لِإِثْبَاتِ الْحِفْظِ سَبَبًا لِنَفْيِهِ (وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا، وَقَدْ ظَهَرَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَقِيبَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ مُطْلَقًا) وَهَذِهِ النُّكْتَةُ هِيَ مَبْنَى الْخِلَافِ: أَعْنِي كَوْنَ خُصُومَتِهِمْ مُعْتَبَرَةً فَأَثْبَتَهَا بِقولهِ (إذْ الِاعْتِبَارُ لِحَاجَتِهِمْ إلَى الِاسْتِرْدَادِ) وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَهُوَ بِالْيَدِ فَكَانَ اسْتِعَادَتُهَا حَقًّا لَهُمْ، كَمَا أَنَّ ذَلِكَ لِلْمَالِكِ بَلْ الْمِلْكُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُرَدَّ إلَّا لِلْيَدِ، وَهَذَا لِأَنَّ ذَا الْيَدِ إنْ كَانَ أَمِينًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَّا بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِذَلِكَ فَكَانَ خُصُومَةً فِي حَقٍّ لَهُمْ ثُمَّ تَظْهَرُ بِهِ السَّرِقَةُ فَيَجِبُ بِهَا الْقَطْعُ، وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى إضَافَةِ الْمَالِ إلَى الْمَالِكِ بَلْ يَقول سَرَقَ مِنِّي وَقَصْدُهُ إحْيَاءُ حَقِّ الْمَالِكِ وَحَقِّ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ خُصُومَتِهِ فِي الْقِصَاصِ لَا تُعْتَبَرُ فَلَا يُقْتَصُّ بِخُصُومَتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقُّهُ فِي إعَادَةِ يَدِهِ.
وَأَوْرَدَ أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِحُضُورِ الْمَالِكِ وَهُوَ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ وَكِيلُ الْمَالِكِ بَيِّنَةً عَلَى السَّرِقَةِ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ مَعَ ظُهُورِ السَّرِقَةِ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فِيهِمَا، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِتَوَهُّمِ الشُّبْهَةِ حَالَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَالتَّوَهُّمُ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّهُ يُقْطَعُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَصْحَابُ يَدٍ صَحِيحَةٍ، وَبَيَّنَّا أَنَّ لَهُمْ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فَخُصُومَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِاعْتِبَارِ حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْخُصُومَةِ إلَى غَيْرِهِ.
وَفِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ شُبْهَةٌ زَائِدَةٌ هِيَ جَوَازُ أَنْ يَرُدَّ الْمَالِكُ إقْرَارَهُ فَيَبْقَى الْمَالُ مَمْلُوكًا لِلسَّارِقِ فَاسْتِيفَاءُ الْحَدِّ مَعَ ذَلِكَ اسْتِيفَاءٌ مَعَ الشُّبْهَةِ.
ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قول زُفَرَ بِقولهِ (وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ) حَقًّا لِلَّهِ وَإِنْ لَزِمَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلَا دَائِمِيٍّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَهْلَكًا فَلَيْسَ لَازِمًا لِلْقَطْعِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ مُهْدَرٌ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنْ يُقْطَعَ بِخُصُومَةِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِسَرِقَةِ مَالِ الْيَتِيمِ وَإِنْ لَزِمَهُ سُقُوطُ الضَّمَانِ فَكَانَ تَعْلِيلُهُ لِذَلِكَ مَرْدُودًا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ.
وَقولهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومَةٍ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنْ يُقَالَ احْتِمَالُ إقْرَارِ الْمَالِكِ لَهُ: أَيْ اعْتِرَافُهُ بِأَنَّهَا لَهُ وَإِذْنُهُ إذَا حَضَرَ ثَابِتٌ فَلَا يُقْطَعُ مَعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فَقَالَ هَذِهِ شُبْهَةٌ يُتَوَهَّمُ اعْتِرَاضُهَا عِنْدَ حُضُورِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمِثْلِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ شُبْهَةٌ ثَابِتٌ تَوَهُّمُهَا فِي الْحَالِ لَا عَلَى تَقْدِيرٍ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْقَطْعَ يُسْتَوْفَى بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ تُوُهِّمَ اعْتِرَاضُ رُجُوعِهِ، وَكَذَا لَوْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُسْتَوْدَعُ يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ حَضَرَ الْمُسْتَوْدَعُ قَالَ كَانَ ضَيْفِي أَوْ أَذِنْت لَهُ فِي الدُّخُولِ فِي بَيْتِي، وَلَا يَخْفَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِلْخُصُومَةِ مِنْ احْتِمَالِ إبَاحَةِ الْمَالِكِ الْمَسْرُوقَ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ جَازَ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ قَالَ كُنْت أَبَحْته لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِطَائِفَةٍ السَّارِقُ مِنْهُمْ كَمَا جَازَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ سِرًّا، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ شُبْهَةً مَوْهُومَةً لَا تُعْتَبَرُ فَكَذَلِكَ تِلْكَ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ تِلْكَ بِسَبَبِ قِيَامِ احْتِمَالِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا عَلَى تَقْدِيرِ حُضُورِهِ الْمُنْتَفِي فِي الْحَالِ فَهَذِهِ كَذَلِكَ، لِأَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِ الْمَالِكِ كَانَ أَذِنَ لَهُ أَوْ أَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ بِهِ قَائِمٌ فِي الْحَالِ.
وَقولهُ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَقْطَعَهُ حَالَ غَيْبَةِ الْمُسْتَوْدَعِ.

متن الهداية:
(وَإِنْ قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِي) لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فِي نَفْسِهَا، وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِحَاجَتِهِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ سَرَقَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَ مَا دُرِئَ الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ قُطِعَ سَارِقٌ بِسَرِقَةٍ فَسُرِقَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قول.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي قول: يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ مَالِكِهِ سَوَاءٌ قُطِعَ السَّارِقُ الْأَوَّلُ أَوْ لَا.
وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَى السَّارِقِ ضَمَانُهُ كَانَ سَاقِطَ التَّقَوُّمِ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَالِكِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ لَهُ فَيَدُ السَّارِقِ الْأَوَّلِ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ وَلَا يَدَ أَمَانَةٍ وَلَا يَدَ مِلْكٍ فَكَانَ الْمَسْرُوقُ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَلَا قَطْعَ فِيهِ.
وَرُوِيَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ: إنْ قَطَعْت الْأَوَّلَ لَمْ أَقْطَعْ الثَّانِي وَإِنْ دَرَأْت الْقَطْعَ عَنْ الْأَوَّلِ لِشُبْهَةٍ قَطَعْت الثَّانِي.
وَمِثْلُهُ فِي الْإِمْلَاءِ لِأَبِي يُوسُفَ.
وَأَطْلَقَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ عَدَمَ قَطْعِ السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ.
وَهُوَ قول أَحْمَدَ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ أَمَانَةٍ وَلَا يَدَ مِلْكٍ فَكَانَ ضَائِعًا وَلَا قَطْعَ فِي أَخْذِ مَالٍ ضَائِعٍ.
قُلْنَا: بَقِيَ أَنْ يَكُونَ يَدَ غَصْبٍ وَالسَّارِقُ مِنْهُ يُقْطَعُ فَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ (وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فِي الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ لِحَاجَتِهِ إذْ الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ وَلَا أَمَانَةٍ وَلَا مِلْكٍ وَالرَّدُّ مِنْهُ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْهُ إلَى الْمَالِكِ.
وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ هَذَا الْحَالُ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا إلَى الثَّانِي إذَا رَدَّهُ لِظُهُورِ خِيَانَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، بَلْ يَرُدُّهُ مِنْ يَدِ الثَّانِي إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَإِلَّا حَفِظَهُ كَمَا يَحْفَظُ أَمْوَالَ الْغُيَّبِ (وَلَوْ سَرَقَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ الْأَوَّلُ أَوْ بَعْدَ مَا دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ بِشُبْهَةٍ يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ سُقُوطَ التَّقَوُّمِ ضَرُورَةُ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ) بَدْءًا (كَـ) يَدِ (الْغَاصِبِ).

متن الهداية:
(وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ) إلَى الْحَاكِمِ (لَمْ يُقْطَعْ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ حُجَّةَ ضَرُورَةِ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا فَتَبْقَى تَقْدِيرًا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَةً فَرَدَّهَا إلَى الْمَالِكِ قَبْلَ الِارْتِفَاعِ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يُقْطَعْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا رَدَّهَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ لِظُهُورِ السَّرِقَةِ) الَّتِي هِيَ الْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ فَكَانَتْ شَرْطًا فِي الْقَطْعِ، وَالْخُصُومَةُ لَا تَتَحَقَّقُ بَعْدَ الرَّدِّ لِأَنَّهَا أَعْنِي الْخُصُومَةَ الْمُوجِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
وَهِيَ (إنَّمَا جُعِلَتْ حُجَّةً لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ) الْمُنَازَعَةُ بِالرَّدِّ (بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّهَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَكَذَا بَعْدَ سَمَاعِهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا لِظُهُورِ السَّرِقَةِ عِنْدَ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ بَعْدَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَإِذَا رُدَّ الْمَالُ لِلْخُصُومَةِ حَصَلَ مَقْصُودُهَا وَبِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الشَّيْءِ يَنْتَهِي وَبِالِانْتِهَاءِ يَتَقَرَّرُ فِي نَفْسِهِ فَكَانَتْ الْخُصُومَةُ قَائِمَةً لِقِيَامِ يَدِهِ عَلَى الْمَالِ قُطِعَ بَعْدَ رَدِّهِ.
وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ بَيْنَ أَنْ يُرَدَّ قَبْلَ الْخُصُومَةِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ أَوْ يَدِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي عِيَالِهِ، وَلِذَا يَبْرَأُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُودَعُ بِالرَّدِّ إلَيْهِمْ لِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ مِلْكٍ فِي مَالِهِ، فَالرَّدُّ إلَيْهِمْ رَدٌّ إلَيْهِ حُكْمًا وَذَلِكَ كَافٍ فِي الرَّدِّ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّ إلَى ابْنِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ الْمُحَرَّمَةِ كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَخَالِهِ إنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ يَبْرَأُ فَلَا يُقْطَعُ كَمَا لَوْ رَدَّهُ إلَى زَوْجَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى غُلَامَهُ أَوْ مُسَانَهَةً يَبْرَأُ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ فَلَا يُقْطَعُ.
وَلَوْ سَرَقَ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَرَدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ أَوْ مِنْ الْعِيَالِ وَرَدَّهُ إلَى مَنْ يَعُولُهُمْ: أَيْ سَرَقَ مِنْ شَخْصٍ وَرَدَّهُ إلَى مَنْ يَعُولُ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ يَبْرَأُ وَلَا يُقْطَعُ.
وَيَبْرَأُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُودَعُ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى مَنْ يَعُولُ الْمُودِعَ.
وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَلَا يَبْرَأُ بِالرَّدِّ إلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَا إلَى وَلَدِهِ وَأَقَارِبِهِ الْمُحَرَّمَةِ الَّذِينَ فِي عِيَالِهِ وَلَا إلَى الزَّوْجَةِ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهَا.

متن الهداية:
(وَإِذَا قُضِيَ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوُهِبَتْ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ) مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ (وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا الْمَالِكُ إيَّاهُ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ انْعِقَادًا وَظُهُورًا، وَبِهَذَا الْعَارِضِ لَمْ يَتَبَيَّنْ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ السَّرِقَةِ فَلَا شُبْهَةَ.
وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالِاسْتِيفَاءِ، إذْ الْقَضَاءُ لِلْإِظْهَارِ وَالْقَطْعُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهَا مِنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا قُضِيَ عَلَى رَجُلٍ بِالْقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوَهَبَهَا لَهُ الْمَالِكُ) وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ (لَا يُقْطَعُ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ) وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ (يُقْطَعُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ انْعِقَادًا) بِفِعْلِهَا بِلَا شُبْهَةٍ (وَظُهُورًا) عِنْدَ الْحَاكِمِ وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ، وَلَا شُبْهَةَ فِي السَّرِقَةِ إلَّا لَوْ صَحَّ اعْتِبَارُ عَارِضِ الْمِلْكِ الْمُتَأَخِّرِ مُتَقَدِّمًا لِيَثْبُتَ اعْتِبَارُهُ (وَقْتَ السَّرِقَةِ) وَلَا مُوجِبَ لِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ (فَلَا شُبْهَةَ) فَيُقْطَعُ.
وَمِمَّا يَنْفِي صِحَّةَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ مَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ «أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُرِدْ هَذَا، رِدَائِي عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، زَادَ النَّسَائِيّ فِي رِوَايَتِه: «فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالسَّرِقَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ بِالْإِقْرَارِ يَظْهَرُ الْمِلْكُ السَّابِقُ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ.
قولهُ: (وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ) يَعْنِي اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ بِالْفِعْلِ (مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ) فَمَا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْطَعُ فَكَذَا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، وَالشَّأْنُ فِي بَيَانِ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ هُوَ الْقَضَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي حَدِّ الزِّنَا، إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا كَانَ هَذَا هُنَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ هُوَ مِنْ قَبْلُ بَيَّنَهُ بِقولهِ (لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَضَاءِ (بِالِاسْتِيفَاءِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْضِ بَعْدَ تَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ بِاللَّفْظِ بَلْ أَمَرَ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ اسْتَوْفَى هُوَ الْحَدَّ بِنَفْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقَضَاءِ بِاللَّفْظِ لَيْسَ إلَّا إظْهَارُ الْحَقِّ لِلْمُسْتَحِقِّ وَالْمُسْتَحِقُّ هُنَا هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْحَقُّ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى الْإِظْهَارِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ لَفْظًا، بَلْ وَلَا يُفِيدُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْهُ إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ (وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ) وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ (يُشْتَرَطُ قِيَامُهَا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ) كَمَا عِنْدَ الْقَضَاءِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بِالْهِبَةِ، بِخِلَافِ رَدِّهِ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ لِأَنَّ بِهِ تَنْتَهِي الْخُصُومَةُ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ بَعْدَهُ مُتَقَرِّرَةً فَيُقْطَعُ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَفِي رِوَايَةٍ كَمَا ذُكِرَ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ: أَنَا أَبِيعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ.
وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ لَمْ يَذْكُرْ ذَاكَ بَلْ قولهُ مَا كُنْت أُرِيدُ هَذَا، وَقولهُ أَيُقْطَعُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ فِي ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا؟ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فِي الْهِبَةِ، ثُمَّ الْوَاقِعَةُ وَاحِدَةٌ فَكَانَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ اضْطِرَابٌ، وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِلضَّعْفِ.
وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ قولهِ هُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ كَانَ بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ لَا يَكُونُ مِلْكًا لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَكَذَا إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا مِنْ النِّصَابِ) يَعْنِي قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ قول زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ.
وَلَنَا أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ النُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَكَمُلَ النِّصَابُ عَيْنًا وَدَيْنًا، كَمَا إذَا اُسْتُهْلِكَ كُلُّهُ، أَمَّا نُقْصَانُ السِّعْرِ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ فَافْتَرَقَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَكَذَلِكَ إذَا نَقَصَتْ قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ السَّرِقَةِ أَيْ الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ عَنْ الْعَشَرَةِ لَا يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ: يُقْطَعُ وَهُوَ قول زُفَرَ) وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ فِي الْعَيْنِ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ ذَاتُ الْعَيْنِ نَاقِصَةً وَقْتَ الِاسْتِيفَاءِ وَالْبَاقِي مِنْهَا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ، فَكَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا وَقْتَ الِاسْتِيفَاءِ كَذَلِكَ (وَلَنَا أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ لَمَّا كَانَ شَرْطًا يُشْتَرَطُ كَمَالُهُ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي نُقْصَانِ الْقِيمَةِ (بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ لِأَنَّ مَا اسْتَهْلَكَهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) فَكَانَ الثَّابِتُ عَنْهُ الْقَطْعَ نِصَابًا كَامِلًا بَعْضُهُ دَيْنٌ وَبَعْضُهُ عَيْنٌ، بِخِلَافِ نُقْصَانِ السِّعْرِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِفُتُورِ الرَّغَبَاتِ وَذَا لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى أَحَدٍ فَلَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ قَائِمَةً حَقِيقَةً وَمَعْنَى فَلَمْ يُقْطَعْ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ السَّارِقُ اسْتَهْلَكَهُ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ ثُمَّ يَسْقُطُ ضَمَانُهُ.

متن الهداية:
(وَإِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً) مَعْنَاهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ سَارِقٌ فَيُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ.
وَلَنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَتَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِلْكُهُ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بَيِّنَةٌ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعْنَاهُ بَعْدَمَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ بِالسَّرِقَةِ) وَإِنَّمَا فَسَّرَ بِهِ لِيَخْرُجَ مَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَمْ أَسْرِقْ بَلْ هُوَ مِلْكِي فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الْمَالُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ) وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَطْعِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ، إذْ لَا يَعْجِزُ سَارِقٌ عَنْ هَذَا.
وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ قِيلَ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ قُطِعَ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ كَذِبُهُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَأَوْلَى الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَهِيَ احْتِمَالُ صِدْقِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِمَا قَالَ) مِنْ أَنَّهُ يُفْضِي إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ (بِدَلِيلِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ) إجْمَاعًا.
وَالسَّارِقُ لَا يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رُجُوعُهُ شُبْهَةً دَارِئَةً إذَا رَجَعَ، عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا مِنْ السُّرَّاقِ أَقَلُّ مِنْ الْقَلِيلِ كَالْفُقَهَاءِ وَهُمْ لَا يَسْرِقُونَ غَالِبًا.

متن الهداية:
(وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَمُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلَانِ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ قَالَ: أَحَدُهُمَا هُوَ مَالِي لَمْ يُقْطَعَا، لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ مِنْهُمَا وَيُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ. لِأَنَّ السَّرِقَةَ ثَبَتَتْ بِإِقْرَارِهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ) فَتَتَّحِدُ فَتَعْمَلُ الشُّبْهَةُ فِيهِمَا.

متن الهداية:
(فَإِنْ سَرَقَا ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ وَهُوَ قولهُمَا) وَكَانَ يَقول أَوَّلًا: لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رُبَّمَا يَدَّعِي الشُّبْهَةَ.
وَجْهُ قولهِ الْآخَرِ أَنَّ الْغَيْبَةَ تَمْنَعُ ثُبُوتَ السَّرِقَةِ عَلَى الْغَائِبِ فَيَبْقَى مَعْدُومًا وَالْمَعْدُومُ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَوَهُّمِ حُدُوثِ الشُّبْهَةِ عَلَى مَا مَرَّ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَإِنْ سَرَقَا ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْآخَرُ) الْحَاضِرُ مِنْهُمَا (فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرِ وَهُوَ قولهُمَا) وَقول الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَكَانَ يَقول أَوَّلًا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ إنْ حَضَرَ) الْغَائِبُ (رُبَّمَا يَدَّعِي شُبْهَةً) وَالسَّرِقَةُ وَاحِدَةٌ فَتَعْمَلُ فِي حَقِّهِمَا (وَجْهُ قولهِ الْآخَرِ أَنَّ الْغَيْبَةَ تَمْنَعُ ثُبُوتَ السَّرِقَةِ عَلَى الْغَائِبِ فَيَبْقَى مَعْدُومًا) فَإِنَّمَا عَمِلَتْ الشَّهَادَةُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ فَقَطْ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَوَهُّمِ حُدُوثِ شُبْهَةٍ عَلَى مَا مَرَّ) فِي خِلَافِيَّةِ زُفَرَ فِي الْقَطْعِ بِخُصُومَةِ الْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ، ثُمَّ لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ تُعَادَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَوْ تَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مَعَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَا يُقْطَعُ فِي قولهِ الْأَوَّلِ وَيُقْطَعُ فِي قولهِ الْآخَرِ وَهُوَ قول بَاقِي الْأَئِمَّةِ.

متن الهداية:
(وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَتُرَدُّ السَّرِقَةُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُقْطَعُ وَالْعَشَرَةُ لِلْمَوْلَى.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ وَالْعَشَرَةُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ قول زُفَرَ.
وَمَعْنَاهُ إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى (وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ مُسْتَهْلَكٍ قُطِعَتْ يَدُهُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ يُقْطَعُ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى نَفْسِهِ وَطَرَفِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ يُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ وَالْمَالِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهِ لِكَوْنِهِ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ.
وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ أَيْضًا، وَنَحْنُ نَقول يَصِحُّ إقْرَارُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فَيَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ، وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَضْرَارِ، وَمِثْلُهُ مَقْبُولٌ عَلَى الْغَيْرِ.
لِمُحَمَّدٍ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ بَاطِلٌ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْغَصْبِ فَيَبْقَى مَالُ الْمَوْلَى، وَلَا قَطْعَ عَلَى الْعَبْدِ فِي سَرِقَةِ مَالِ الْمَوْلَى.
يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ فِيهَا وَالْقَطْعُ تَابِعٌ حَتَّى تُسْمَعَ الْخُصُومَةُ فِيهِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَيَثْبُتُ الْمَالُ دُونَهُ، وَفِي عَكْسِهِ لَا تُسْمَعُ وَلَا يَثْبُتُ، وَإِذَا بَطَلَ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ بَطَلَ فِي التَّبَعِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ تَبَعًا.
وَلِأَبِي يُوسُف أَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ: بِالْقَطْعِ وَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَبِالْمَالِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِ فِيهِ، وَالْقَطْعُ يُسْتَحَقُّ بِدُونِهِ؛ كَمَا إذَا قَالَ الْحُرُّ الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ سَرَقْته مِنْ عَمْرٍو وَزَيْدٌ يَقول هُوَ ثَوْبِي يُقْطَعُ يَدُ الْمُقِرِّ وَإِنْ كَانَ لَا يُصَدَّقُ فِي تَعْيِينِ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ مِنْ زَيْدٍ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَطْعِ قَدْ صَحَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا فَيَصِحُّ بِالْمَالِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ، وَالْمَالُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ تَابِعٌ لِلْقَطْعِ حَتَّى تَسْقُطَ عِصْمَةُ الْمَالِ بِاعْتِبَارِهِ وَيُسْتَوْفَى الْقَطْعُ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ.
بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحُرِّ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْمُودَعِ.
أَمَّا لَا يَجِبُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ مَالَ الْمَوْلَى فَافْتَرَقَا وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يُقْطَعُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا) حَاصِلُ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ، لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ إمَّا مَأْذُونٌ لَهُ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُقِرَّ بِسَرِقَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ فَالْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ هَالِكَةٍ يُقْطَعُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا ضَمَانَ مَعَ الْقَطْعِ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يَضْمَنُ الْمَالَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ قُطِعَ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ، وَهَذَا قول الْمُصَنِّفِ (وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا قُطِعَ فِي الْوَجْهَيْنِ) وَيُرَدُّ الْمَالُ لِلْمُقَرِّ لَهُ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يُرَدُّ الْمَالُ.
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا، فَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ هَالِكَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ.
وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قَائِمَةٍ فَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ، فَظَهَرَ أَنَّ قول زُفَرَ لَا يُقْطَعُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقولهِ (وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْطَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ، أَوْ مَأْذُونًا وَالْإِقْرَارُ بِهَالِكَةٍ أَوْ قَائِمَةٍ.
وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ فِي هَذَا.
أَعْنِي إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِقَائِمَةٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْطَعُ وَتُرَدُّ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِسَرِقَتِهَا مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ وَالسَّرِقَةُ لِمَوْلَاهُ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ بَعْدَ الْعَتَاقِ الْمُقَرُّ لَهُ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: سَمِعْت أُسْتَاذِي ابْنَ أَبِي عِمْرَانَ يَقول: الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ كُلُّهَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقولهُ الْأَوَّلُ أَخَذَ بِهِ مُحَمَّدٌ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ.
ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْقول الثَّالِثِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، فَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْحُمْلَانِ فِي الزَّكَاةِ.
وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى فِي إقْرَارِهِ وَقَالَ الْمَالُ مَالِي، أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي الْقَطْعِ وَرَدُّ الْمَالِ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِهِ اتِّفَاقًا، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ.
غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ هَالِكًا وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ مَعَ زُفَرَ فَقَالَ: (إنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ إقْرَارَهُ) بِهَا (يُرَدُّ) أَثَرُهُ (عَلَى نَفْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ) بِالْإِتْلَافِ (وَكُلُّ ذَلِكَ مَالُ الْمَوْلَى) فَالْإِقْرَارُ بِهِ إقْرَارٌ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ (وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ) لَمَّا تَضَمَّنَ إقْرَارُهُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ وَالطَّرَفِ وَبَطَلَ فِي الطَّرَفِ (يُؤَاخَذُ) بِالْمَالِ (بِضَمَانِهِ) إنْ كَانَ هَالِكًا وَيَرُدُّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا (لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ لِكَوْنِهِ مُسَلَّطًا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى) حَيْثُ أَذِنَ لَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ (وَنَحْنُ نَقول الْإِقْرَارُ بِهَا مِنْهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ أَثَرَ الْإِقْرَارِ بِهَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ آدَمِيٌّ) لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ مِلْكِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ كَانَ مُبْقًى فِيهِ عَلَى أَصْلِ الْآدَمِيَّةِ فَيَمْلِكُهُ هُوَ كَالطَّلَاقِ (وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ) لِيَبْطُلَ فِي حَقِّ السَّيِّدِ لِأَنَّ ضَرَرَهُ الرَّاجِعَ إلَيْهِ بِهِ فَوْقَ ضَرَرِ الرَّاجِعِ بِهِ إلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ نَفْسَهُ أَوْ طَرَفَهُ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْفُذُ عَلَى الْغَيْرِ، كَمَا إذَا شَهِدَ الْعَبْدُ الْعَدْلُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ حَتَّى يَلْزَمَ جَمِيعَ النَّاسِ صَوْمُهُ، لِأَنَّ مَا لَزِمَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَرْعٌ لَزِمَهُ مِثْلُهُ فَنَفَذَ فِي حَقِّهِمْ تَبَعًا لِنَفَاذِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمُفْلِسُ بِعَمْدِ الْقَتْلِ يُقْتَلُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ دُيُونِ النَّاسِ.
وَ(لِمُحَمَّدٍ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ بَاطِلٌ، وَلِذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْغَصْبِ فَيَبْقَى مَا فِي يَدِهِ مَالُ الْمَوْلَى) إذْ الْفَرْضُ تَكْذِيبُ الْمَوْلَى لَهُ فِي إقْرَارِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالِ الْمَوْلَى وَبِسَرِقَةِ مَالِ الْمَوْلَى لَا يُقْطَعُ، وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَتِمُّ الْوَجْهُ.
وَقولهُ بَعْدَهُ يُؤَيِّدُهُ إلَخْ زِيَادَةُ تَوْكِيدٍ: أَيْ يُؤَكِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الْقَطْعِ (أَنَّ الْمَالَ) فِي لُزُومِ الْقَطْعِ (أَصْلٌ وَالْقَطْعُ تَابِعٌ) وَالتَّابِعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَ مَتْبُوعِهِ، فَحَيْثُ لَمْ يَجِبْ الْمَالُ لِلْغَيْرِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ.
وَبَيَانُ أَنَّ الْمَالَ أَصْلٌ أَنَّ الْخُصُومَةَ تُسْمَعُ فِي السَّرِقَةِ فِي حَقِّ الْمَالِ حَتَّى لَوْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ فَقَطْ سُمِعَتْ وَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ (وَ) لِذَا (يَثْبُتُ الْمَالُ) فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ بِلَا قَطْعٍ فِيمَا لَوْ ادَّعَاهَا وَأَقَامَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ شَهِدُوا بِهَا فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْمَالِ (دُونَ الْقَطْعِ) وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَلَا قَطْعَ (وَفِي عَكْسِهِ لَا تُسْمَعُ) حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أُرِيدُ الْقَطْعَ دُونَ الْمَالِ لَا تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ فَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْقَطْعِ تَبَعًا لِلْمَالِ، وَقَدْ انْتَفَى الْمَالُ بِمَا قُلْنَا فَانْتَفَى الْقَطْعُ (وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ) أَيْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ شَيْئَيْنِ (الْقَطْعَ وَهُوَ) إقْرَارٌ (عَلَى نَفْسِهِ) فَيُقْطَعُ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا) مَعَ زُفَرَ مِنْ وَجْهِ صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (وَالْمَالَ وَهُوَ) إقْرَارٌ (عَلَى الْمَوْلَى) وَهُوَ يُكَذِّبُهُ (فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْقَطْعُ يُسْتَحَقُّ بِدُونِ الْمَالِ) كَمَا إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ (وَكَمَا لَوْ قَالَ حُرٌّ: هَذَا الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ سَرَقْته مِنْ عَمْرٍو، وَزَيْدٌ يَقول هُوَ ثَوْبِي يُقْطَعُ) وَلَا يُنْزَعُ الثَّوْبُ مِنْ زَيْدٍ إلَى عَمْرٍو فَيُقْطَعُ وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِقْرَارَ فِي حَقِّ الْقَطْعِ قَدْ صَحَّ مِنْهُ لِمَا بَيَّنَّا) فِي الْكَلَامِ مَعَ زُفَرَ مِنْ أَنَّهُ آدَمِيٌّ إلَى آخِرِهِ، وَيَلْزَمُهُ صِحَّتُهُ بِالْمَالِ أَنَّهُ لِغَيْرِ الْمَوْلَى لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَجِبَ الْقَطْعُ شَرْعًا بِمَالٍ مَسْرُوقٍ لِلْمَوْلَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ ثَبَتَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَهُوَ مَلْزُومٌ بِحُكْمِ الشَّرْعِ بِكَوْنِ الْمَالِ لِلْمُقَرِّ لَهُ إذْ لَا قَطْعَ بِمَالِ السَّيِّدِ وَإِلَى هُنَا يَتِمُّ الْوَجْهُ.
وَقولهُ (لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ وَالْمَالُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ تَابِعٌ لِلْقَطْعِ حَتَّى تَسْقُطَ عِصْمَةُ الْمَالِ بِاعْتِبَارِهِ وَيَسْتَوْفِي الْقَطْعَ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ) زِيَادَةً لَا تَظْهَرُ الْحَاجَةُ إلَيْهَا.
وَقولهُ (بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحُرِّ) يُرِيدُ إلْزَامَ أَبِي يُوسُفَ بِمَا إذَا قَالَ الْحُرُّ الثَّوْبُ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ سَرَقْته مِنْ عَمْرٍو وَيُقْطَعُ بِهِ وَلَا يُدْفَعُ لِعَمْرٍو، فَكَذَا جَازَ أَنْ يُقْطَعَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ فَقَالَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْقَطْعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ مَحْمُولٌ عَلَى صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهِ لِعَمْرٍو وَأَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ زَيْدٍ أَوْ غَصْبٌ وَادِّعَاءُ زَيْدٍ أَنَّ الثَّوْبَ لَهُ جَازَ كَوْنُهُ إنْكَارًا لِلْوَدِيعَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمُقِرَّ لَيْسَ خَصْمًا لَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْقَطْعُ بِسَرِقَةِ ثَوْبِ مُودَعٍ أَوْ مَغْصُوبٍ ثَابِتٌ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الثَّوْبَ وَدِيعَةً لِلْمَوْلَى أَوْ مَغْصُوبًا عِنْدَ الْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ سَرِقَةَ مَالِ الْمَوْلَى وَبِهِ لَا يُقْطَعُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا) لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ (وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمْ يَضْمَنْ) وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَشْمَلُ الْهَلَاكَ وَالِاسْتِهْلَاكَ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ قَدْ اخْتَلَفَ سَبَبَاهُمَا فَلَا يَمْتَنِعَانِ فَالْقَطْعُ حَقُّ الشَّرْعِ وَسَبَبُهُ تَرْكُ الِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ.
وَالضَّمَانُ حَقُّ الْعَبْدِ وَسَبَبُهُ أَخْذُ الْمَالِ فَصَارَ كَاسْتِهْلَاكِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَمِ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ مَمْلُوكَةٍ لِذِمِّيٍّ.
وَلَنَا قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ وَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ فَهُوَ الْمُنْتَفِي، وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَبْقَى مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ، إذْ لَوْ بَقِيَ لَكَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ مُحَرَّمًا حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَظْهَرُ سُقُوطُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرِ السَّرِقَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الشُّبْهَةُ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ، وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِهَا فِي حَقِّ الْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رُدَّتْ عَلَى صَاحِبِهَا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَشْمَلُ الْهَلَاكَ وَالِاسْتِهْلَاكَ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَضْمَنْ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلَهُ فِيهِ جِنَايَةٌ ثَانِيَةٌ فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ بِالْهَلَاكِ وَلَا جِنَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فِيهِ أَوْلَى (وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ) وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمَكْحُولٌ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ سِيرِينَ (وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الِاسْتِهْلَاكِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، وَهُوَ قول أَحْمَدَ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْبَتِّيِّ وَإِسْحَاقَ وَحَمَّادٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ السَّارِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ.
وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، وَلَا خِلَافَ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْمَالِكِ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ.
وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ قَبْلَهُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ رُجُوعَهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إلَى دَعْوَى الْمَالِ.
وَجْهُ قولهِمْ عُمُومُ قوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَمْلُوكًا عُدْوَانًا فَيَضْمَنُهُ قِيَاسًا عَلَى الْغَصْبِ، وَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ مُنَافَاةٌ بَيْنَ حَقَّيْ الْقَطْعِ وَالضَّمَانِ، وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَقُّ اللَّهِ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ الْخَاصَّةِ، وَالْآخَرُ حَقُّ الضَّرَرِ فَيُقْطَعُ حَقًّا لِلَّهِ وَيَضْمَنُ حَقًّا لِلْعَبْدِ (وَصَارَ كَاسْتِهْلَاكِ صَيْدٍ مَمْلُوكٍ فِي الْحَرَمِ) يَجِبُ الْجَزَاءُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَيَضْمَنُهُ حَقًّا لِلْعَبْدِ (وَكَشُرْبِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ) عَلَى قولكُمْ فَإِنَّكُمْ تَحُدُّونَهُ حَقًّا لِلَّهِ وَتُغَرِّمُونَهُ قِيمَتَهَا حَقًّا لِلذِّمِّيِّ فَهَذَا إلْزَامِيٌّ فَإِنَّهُمْ لَا يُضَمِّنُونَهُ الْخَمْرَ بِاسْتِهْلَاكِهَا (وَلَنَا قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيمَا رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْت سَعْدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ أَخِيهِ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: «لَا يَغْرَمُ صَاحِبُ سَرِقَةٍ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ» وَلَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ» وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ جَدُّهُ، فَإِنَّهُ مِسْوَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ آخَرُ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ الْفُرَاتِ رَوَاهُ عَنْ الْمُفَضَّلِ فَأَدْخَلَ بَيْنَ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَسَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هَذَا مَجْهُولٌ، وَقِيلَ إنَّهُ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ.
وَعِنْدَنَا الْإِرْسَالُ غَيْرُ قَادِحٍ بَعْدَ ثِقَةِ الرَّاوِي وَأَمَانَتِهِ، وَذَلِكَ السَّاقِطُ إنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ الزُّهْرِيُّ فَقَدْ عُرِفَ وَبَطَلَ الْقَدْحُ بِهِ.
وَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى غُرْمِ السَّارِقِ أُجْرَةُ الْقَاطِعِ مَدْفُوعٌ بِرِوَايَةِ الْبَزَّارِ: «لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ سَرِقَتَهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ» وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قول الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ (وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بَعْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَهُ) وَلَا قَطْعَ فِي مِلْكِهِ لَكِنَّ الْقَطْعَ ثَابِتٌ قَطْعًا (فَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ فَهُوَ الْمُنْتَفِي) وَالْمُؤَدِّي إلَيْهِ الضَّمَانُ فَيَنْتَفِي الضَّمَانُ (وَلِأَنَّ الْمَسْرُوقَ لَا يَبْقَى مَعَ الْقَطْعِ مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ، إذْ لَوْ بَقِيَ كَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ) وَإِنَّمَا حَرُمَ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ فَكَانَ حَرَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ شُبْهَةً فِي السَّرِقَةِ، إذْ الشُّبْهَةُ لَيْسَتْ إلَّا كَوْنُ الْحُرْمَةِ ثَابِتَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ، لَكِنَّ الْحَدَّ وَهُوَ الْقَطْعُ ثَابِتٌ إجْمَاعًا (فَكَانَ مُحَرَّمًا حَقًّا لِلشَّرْعِ) فَقَطْ (كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ) وَلَا يُقَالُ جَازَ كَوْنُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ وَنَفْسِهِ كَالزِّنَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ.
لِأَنَّا نَقول: مَا فُرِضَ فِيهِ الْكَلَامُ وَهُوَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ لَا يَكُونُ قَطُّ مُحَرَّمًا إلَّا لِغَيْرِهِ.
وَوَقْتُ اسْتِخْلَاصِهِ الْحُرْمَةُ لِنَفْسِهِ تَعَالَى قُبَيْلَ فِعْلِ السَّرِقَةِ الْقَبْلِيَّةِ الَّتِي عَلِمَ تَعَالَى أَنَّهَا تَتَّصِلُ بِهَا السَّرِقَةُ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ لَنَا ذَلِكَ بِتَحَقُّقِ الْقَطْعِ، فَإِذَا قُطِعَ عَلِمْنَا أَنَّهُ اسْتَخْلَصَ الْحُرْمَةَ حَقًّا لَهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْمَالِ، كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ الْأَبَ مَلَّكَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَارِيَةَ ابْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ مِنْ الِابْنِ لَهُ بِظُهُورِ دَعْوَاهُ وَلَدَهَا لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُ شُرِعَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُ بِدَعْوَاهُ فَعَلِمْنَا حُكْمَهُ تَعَالَى بِنَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا إلَيْهِ قَبْلَ الْوَطْءِ الْقَبْلِيَّةِ الَّتِي عَلِمَ تَعَالَى اتِّصَالَ الْوَطْءِ بِهَا، وَكَذَا فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمُعَايَنَةِ الْمَشْرُوطِ عَلَى سَبْقِ الشَّرْطِ.
فَإِنْ قُلْت: فَمَا وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ فِي الضَّمَانِ بِالِاسْتِهْلَاكِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ الْعِصْمَةَ انْتَقَلَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصَارَ الْمَسْرُوقُ كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْحَالُ؟ فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقولهِ (إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَظْهَرُ سُقُوطُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ فِعْلٍ آخَرَ) إنَّمَا الضَّرُورَةُ فِي نَفْيِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ عَنْ فِعْلِ السَّرِقَةِ ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْقَطْعِ (وَكَذَا الشُّبْهَةُ) أَيْ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ إنَّمَا (تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ) وَهُوَ السَّرِقَةُ (دُونَ غَيْرِهِ) وَهُوَ الِاسْتِهْلَاكُ (وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ) وَإِنْ كَانَ فِعْلًا آخَرَ إلَّا أَنَّهُ (إتْمَامُ الْمَقْصُودِ) بِالسَّرِقَةِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَسْرُوقِ فَكَانَ مَعْدُودًا مِنْهَا (فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ) كَمَا اُعْتُبِرَتْ فِي السَّرِقَةِ (وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ) فِي فَصْلِ الِاسْتِهْلَاكِ (لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ) بَيْنَ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّمَانِ، لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مَعْصُومٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ فِي حَالَةِ الِاسْتِهْلَاكِ فَقَطْ، وَالضَّمَانُ مَالٌ مَعْصُومٌ حَقًّا لَهُ فِي حَالَتَيْ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، فَإِذَا انْتَفَتْ الْمُمَاثَلَةُ انْتَفَى الضَّمَانُ، لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ مَشْرُوطٌ بِالْمُمَاثَلَةِ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ شُرْبِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُهُ، وَفِيهِ جِنَايَةٌ عَلَى عَقْلِهِ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْحَدَّ فَيُحَدُّ بِذَلِكَ فَكَانَا حُرْمَتَيْنِ، وَمِثْلُهُ صَيْدُ الْحَرَمِ الْمَمْلُوكِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ السَّارِقِ قَضَاءً لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ، فَأَمَّا دِيَانَةً فَيُفْتَى بِالضَّمَانِ لِلُحُوقِ الْخُسْرَانِ وَالنُّقْصَانِ لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةِ السَّارِقِ.
وَفِي الْإِيضَاحِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، لِأَنَّ الثَّوْبَ عَلَى مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ خَاطَهُ قَمِيصًا لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مَحْظُورٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ، كَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لَمْ يَلْزَمْهُ الرَّدُّ قَضَاءً وَيَلْزَمُهُ دِيَانَةً، وَكَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ ثُمَّ تَابَ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ، وَتَعَذُّرُ إيجَابِ الضَّمَانِ بِعَارِضٍ ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُعْتَبَرُ قَضِيَّةُ السَّبَبِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا، وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا الَّتِي قُطِعَ لَهَا) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ لِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا بِالِاتِّفَاقِ فِي السَّرِقَاتِ كُلِّهَا.
لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْغَائِبِ.
وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ فَلَمْ تَظْهَرْ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَائِبَيْنِ فَلَمْ يَقَعْ الْقَطْعُ لَهَا فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً.
وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِذَا اسْتَوْفَى فَالْمُسْتَوْفَى كُلُّ الْوَاجِبِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الْكُلِّ فَيَقَعُ عَنْ الْكُلِّ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ النُّصُبُ كُلُّهَا لِوَاحِدٍ فَخَاصَمَ فِي الْبَعْضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَقُطِعَ فِي إحْدَاهَا) بِخُصُومَةِ صَاحِبِهَا وَحْدَهُ (فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْقَطْعُ (لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا) لِأَرْبَابِ تِلْكَ السَّرِقَاتِ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَضْمَنُ كُلَّهَا إلَّا) السَّرِقَةَ (الَّتِي قُطِعَ فِيهَا، فَإِنْ حَضَرُوا جَمِيعًا وَقُطِعَتْ يَدُهُ بِخُصُومَتِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا) مِنْ السَّرِقَاتِ (بِالِاتِّفَاقِ لَهُمَا أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْغَائِبِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُصُومَةِ لِتَظْهَرَ السَّرِقَةُ).
وَلَا خُصُومَةَ مِنْ الْغَائِبِ فَلَمْ تَظْهَرْ الْخُصُومَةُ مِنْهُمْ فَلَمْ يَظْهَرْ الْقَطْعُ بِسَرِقَاتِهِمْ (فَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُمْ مَعْصُومَةً. وَلَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّ قَطْعٌ وَاحِدٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ عَلَى التَّدَاخُلِ. وَالْخُصُومَةُ شَرْطٌ لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْحَاكِمِ) فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الثَّابِتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ التَّدَاخُلُ وَمَعْنَاهُ وُقُوعُ الْحَدِّ الْوَاحِدِ عَنْ كُلِّ الْأَسْبَابِ السَّابِقَةِ وَقَدْ وُجِدَ لَزِمَ وُقُوعُهُ عَنْهَا وَهُوَ مَلْزُومٌ لِسُقُوطِ ضَمَانِهَا كُلِّهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلِمَ الْقَاضِي بِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَا أَثَرَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ شَرْعًا عِنْدَ الْقَطْعِ وَهُوَ وُقُوعُهُ عَنْ كُلِّ الْأَسْبَابِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ سُقُوطَ ضَمَانِهَا فَكَانَ سُقُوطُ الضَّمَانِ ثَابِتًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.